مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها دلالة على صرف المال ـ بعد بذل الكفن ـ في الدين ، وثواب التكفين ، ولهذا روي : ان من كفّن ميّتا فكأنه كساه مدّة حياته (١).

وتدلّ ـ على تقديم الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصيّة ، ثم الإرث كما هو قولهم ، الرواية (٢) والآية (٣) فتأمّل.

(السابع) قال في التذكرة : لا يحلّ مطالبة المعسر ، ولا حبسه ، ولا ملازمته عند علمائنا اجمع ، ومستندهم ظاهر آية الانظار (٤) ، والرواية المتقدّمة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام انه كان يحبس في الدين ، فإذا تبيّن إعساره خلّى سبيله (٥).

(الثامن) لو استدانت الزوجة ، النفقة الواجبة على الزوج ، دفع إليها عوضه ، وهو ظاهر ، لأن نفقة الزوجة دين عليه عندهم فهو واجب عليه كصداقها وان لم تستدن.

ومستندهم قول الباقر عليه السلام ، قال : قال عليّ عليه السلام : المرأة تستدين على زوجها وهو غائب؟ فقال : يقضي عنها إذا استدان بالمعروف (٦).

(التاسع) يقضي الحاكم دين الغائب إذا ثبت عنده مع المطالبة

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب التكفين من كتاب الطهارة ، ولفظ الحديث هكذا : من كفّن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته الى يوم القيامة ، ولم نعثر على ما رواه الشارح قده بعينه.

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الدين والقرض.

(٣) قال الله عزّ وجلّ ـ في ذكر آيات الإرث ـ (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، وقال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) ، وقال عزّ من قائل (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) ، وقال جلّ وعلا (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) ـ النساء ـ ١٠ ـ ١١ و ١٢.

(٤) اشارة إلى قوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ البقرة ـ ٢٨٠.

(٥) راجع الوسائل باب ٧ حديث ١ من كتاب الحجر.

(٦) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الحجر.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

المستحقّة ، وهو ممّا لا خلاف فيه على الظاهر ، كما انه يحكم عليه ويعطي ماله للمدعي ، وكذا نفقة زوجته وأقاربه وغير ذلك.

ويؤيّد الأوّل رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : الغائب يقضى عنه إذا قامت البيّنة عليه ، ويباع ماله ويقضي عنه (دينه يب) وهو عنه غائب ، ويكون الغائب على حجته إذا قدم (قال يب) ولا يدفع المال (الى ئل) الذي أقام البيّنة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليّا (١).

وكأنه يريد بالكفلاء الضمناء لعدم فائدة الكفيل لو كان المدّعي معسرا ، وهو ظاهر فتأمّل.

(العاشر) قالوا : لا يصحّ المضاربة بالدين الا بعد القبض ، وتدل عليه رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام في رجل يكون له مال على رجل فتقاضاه ، فلا يكون عنده ما يقضيه ، فيقول له : هو عندك مضاربة؟ فقال : يصلح حتى يقبضه منه (٢).

وما نعرف الإجماع هنا ، والرواية ضعيفة ، وعموم المشروعيّة يدلّ على الجواز ، وسيجي‌ء.

(الحادي عشر) يجوز القرض في بلد مع شرط أن يقبضه في بلد آخر ، وادّعى عليه الإجماع في التذكرة ، وعموم الأدلّة يقوّيه.

وكذا صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسلف الرجل الورق على ان ينقدها إيّاه بأرض أخرى ويشترط ذلك؟ قال : لا بأس (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ نحو حديث ١ من أبواب كيفيّة الحكم من كتاب القضاء.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب المضاربة.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب الصرف.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة أبي الصباح ـ كأنه الكناني الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل (الرجل خ ئل) يبعث بمال إلى أرض فقال : للذي يريد أن يبعث به معه : أقرضنيه وانا أوفيك إذا قدمت الأرض قال : لا بأس بهذا (١).

هذا ظاهر ، انما البحث في انه هل يلزم ذلك أم لا؟ بل يجوز له ان يطلب أينما يريد؟ ظاهر كلامهم ـ في عدم لزوم الأجل في القرض ، وأنّ القرض جائز دائما الا ان يشترط في عقد لازم ـ الجواز ، ومقتضى أدلّة لزوم الشرط ، عدمه.

وكذا نفي الضرر إذ افرض ، إذ قد يعسر أو يكون قليلا في بلد المطالبة دون بلد الشرط وغير ذلك من الضرر.

وأما العكس فالظاهر انه ليس بلازم ، بل كان للمقترض دفع ذلك ويجب القبول تأمّل في الفرق.

(الثاني عشر) قد مرّ استحباب حسن القضاء والاقتضاء والمسامحة فيهما.

ويؤيّده ما روي عن العامّة في التذكرة : خياركم أحسنكم قضاء (٢).

ومن طريق الخاصّة ما رواه في الفقيه عن النبي صلّى الله عليه وآله : ليس من غريم ينطلق من عنده غريمه راضيا الّا صلّت عليه دوابّ الأرض ونون البحور وليس من غريم ينطلق من عنده صاحبه غضبان وهو ملي إلّا كتب الله عزّ وجلّ بكلّ يوم يحبسه أو ليلة ظلما (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الصرف.

(٢) سنن أبي داود ج ٣ باب حسن القضاء رقم ٣٣٤٦ وصدره هكذا : استسلف رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بكرا فجائته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره ، فقلت : لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيّا ، فقال النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : أعطه إياه ، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء.

(٣) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(الثالث عشر) يجوز في القرض اشتراط أمر سائغ ، مثل رهن وغيره ، وقال في التذكرة : القرض عقد قابل للشروط السائغة ، فلو أقرضه شيئا يشترط أن يقرضه مالا صحّ ولا يلزمه ما شرط ، بل هو وعد وعده ، وكذا لو وهبه (١) ثوبا بشرط أن يهبه ، منه غيره ، وكذا لو أقرض بشرط ان يقرضه (٢) إلخ.

وقد مرّ التأمّل فيه ، والأصل العدم ، ومزيد التأمّل ، في الهبة الّا ان يريد مع عدم إعطاء العوض.

قال في التذكرة : إذا أعطاه دينه الحالّ يجب القبول ـ وان كان بعضه ـ وسلّمه هو ذلك جميعه مرّة واحدة ولا يجب قبل الأجل.

وفي الوجوب تأمّل وان كان الأولى ذلك.

(الرابع عشر) الظاهر انه يجوز المقاصّة مع تعذر الاستيفاء بشرط عدم إحلافه بالحلف الشرعي المسقط ، ولا يضرّ حلفه من غير الإحلاف.

والظاهر انه لا يشترط اذن الحاكم ، ولا عدم إمكان الإثبات عنده ، لاحتمال الاحتياج الى اليمين الذي هو مكروه أو قد تخرج (٣) البيّنة ، مع عموم الأدلّة ، وهي عدم الضرر وصحيحة داود بن زربي (رزين خ ل يب) ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : اني أعامل قوما فربما أرسلوا اليّ فأخذوا مني الجارية والدابة فذهبوا بها مني ثم يدور لهم المال عندي فآخذ منه بقدر ما أخذوا مني ، فقال : خذ منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه (٤).

__________________

(١) في التذكرة لو وهب منه.

(٢) في التذكرة ان يقترض منه إلخ وتمامه : أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه ولكن لا يلزم ذلك أمّا إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيع آخر فإنه يجوز عندنا البيع والشرط وقد تقدم (انتهى).

(٣) يعني تكون إقامة البيّنة حرجيّة.

(٤) الوسائل باب ٨٣ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به بطريق الصدوق.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة أبي بكر الحضرمي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل كان له على رجل مال فجحده إيّاه وذهب به منه ثم صار اليه بعد ذلك للرجل الذي ذهب بماله مال قبله (مثله ئل) أيأخذ منه (أيأخذه إلخ ئل) مكان ماله الذي ذهب به منه ذلك الرجل؟ قال : نعم ، ولكن لهذا كلام يقول : اللهمّ اني آخذه مكان ما أخذه مني واني لم آخذ ما أخذته خيانة ولا ظلما (١).

لعلّ قول هذا مستحب لعدمه في الرواية الاولى ، ويفهم من الفقيه اشتراط جواز الأخذ به حيث قال : فجائز أن يأخذ منه حقّه بعد ان يقول ما أمر به ـ بما قد ذكرته ـ (٢).

وفي صحتهما لي تأمل ، لأني ما رأيت توثيق (داود) في كتاب النجاشي الذي صحيح ، وعليه خطّ ابن طاوس رحمه الله غالبا ، ولكن نقل المصنف في الخلاصة وابن داود في كتابه عنه توثيقه (٣) ، مع إهمال الشيخ ، فلعلّ في غير الكتاب أو يكون في النسخة غلط.

وأبو بكر الحضرمي غير منصوص على توثيقه في محلّه ، بل مدح في الجملة ، ولكن نقل ابن داود في الكنى توثيقه عن الكشي ، وفيه تأمّل لعدم نقله في بابه ، وكذا العلّامة ، مع نقل ما نقله عنه ، وأيضا ليس عادة الكشي ، التوثيق بل النقل

__________________

(١) الوسائل باب ٨٣ حديث ٤ من أبواب ما يكتسب به ، واعلم ان هذا الحديث سندا ومتنا قد اختلف فلاحظ الوسائل مع ما ذكر في تعليقته.

(٢) الى هنا عبارة الفقيه.

(٣) في معجم الرجال للآية الخويي مدّ ظلّه ج ٧ ص ١٠٢ بعد نقل التوثيق من خلاصة العلّامة ورجال ابن داود : ما هذا لفظه أقول : مقتضى ما ذكراه سقوط كلمة (ثقة) عن نسخة النجاشي الواصلة إلينا وفي شهادتهما كفاية على الثبوت وحينئذ لا ينبغي الإشكال في وثاقة الرجل بشهادة المفيد وبشهادة ابن عقدة على ما ذكره النجاشي (انتهى).

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فقط إلا أنهما موافقتان لما ذكره الأصحاب من غير ذكر الخلاف مع تصريحهم بصحة خبرهما فتأمّل.

ولكن الظاهر عدم جوازه إذا كان امانة ووديعة وتدل عليه الوصيّة في الآية (١) والاخبار (٢) على أداء الأمانة عموما.

وتدل (عليه ظ) بخصوصه صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يكون لي عليه حق فيجحدني (نيه ئل) ثم يستودعني مالا ألي أن آخذ مالي عنده؟ فقال : لا ، هذه خيانة (الخيانة خ ل) (٣).

وصحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال. فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال (أخ) فآخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع هو؟ فقال ان خانك فلا تخنه ولا تدخله فيما عبته عليه (٤).

قال في الفقيه : وفي خبر آخر : ان استحلفه على ما أخذ منه فجائز له ان يحلف إذا قال : هذه الكلمة (٥).

وهذا أيضا يشعر بلزوم هذه الكلمة فتأمّل.

__________________

(١) قال الله عزّ وجلّ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ـ النساء ـ ٤ وقال عزّ وجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ الأنفال ـ ٢٧. وقال جلّ وعلا (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) ـ المؤمنون ـ ٨ والمعارج ـ ٢٢ وقال تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ـ البقرة ـ ٢٨٣ وغيرها.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ و ٣ من كتاب الوديعة.

(٣) الوسائل باب ٨٣ حديث ١١ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل باب ٨٣ حديث ٧ من أبواب ما يكتسب به.

(٥) الوسائل باب ٨٣ حديث ٦ من أبواب ما يكتسب به.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم جمع (١) بين الاخبار بأنه إذا كان أحلف فلا يجوز الأخذ من ماله مقاصّة لسقوط الحق به ، للأخبار (٢) وكذا إذا كان أمانة ، وأما إذا كان غيرهما فلا يجوز ، فلا منافاة وذلك غير بعيد ، فتأمّل.

__________________

(١) يعني الصدوق ره في الفقيه.

(٢) راجع الوسائل ج ١٨ باب ١٠ من أبواب كيفيّة الحكم.

١٢٧

«المقصد الثاني في الرهن»

وفيه مطلبان :

(الأوّل) عقد الرهن ، الإيجاب كرهنت أو هو وثيقة عندك وشبهه والقبول كقبلت.

______________________________________________________

قوله : «المقصد الثاني في الرهن إلخ» أي في بيان عقد الرهن بقرينة (الثاني (١) في الأحكام) وهو الإيجاب ، أو الذي هو الإيجاب والقبول ، ترك تعريفه لظهوره ، أو لفهم احد التعريفين من قوله : (الإيجاب إلخ) فإنه قد يطلق على العقد الذي شرع لأخذ نائب مناب ماله واليه أشار في التذكرة بقوله : (عقد شرع للاستيثاق) على الدين.

كأنّ في لفظة الدين ، إشارة الى عدم شرع الرهن للأعيان المغصوبة أو الدرك كما هو مذهب لبعض (البعض خ) أو يؤول كلّها الى الدين أو أراد بالدين ما يعم.

وقد يطلق على ما يرهن كما في قوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢) فإنه جمع

__________________

(١) يعني بقرينة قول المصنف ره فيما يأتي : (المطلب الثاني في الأحكام) فيظهر منه ان المطلب الأول في عقد الرهن.

(٢) البقرة ـ ٢٨٣.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

رهن) كما قاله في القاموس ، ولهذا أنّث وصفه ، والمراد منه ما يرهن به.

وهو الذي أشار إليه في الشرائع : (وهو وثيقة لدين المرتهن) وأراد به المدين الذي يأخذ نائب ماله ووثيقته فلا دور ، وفي (الدين) البحث الذي تقدم فلا نقض.

والوثيقة تطلق على المذكّر والمؤنث كما قال في التذكرة وغيرها تقول في الصيغة : (هذا وثيقة دينك) فإنه يراد به ما يوثق به مطلقا من غير نظر الى التأنيث والتذكير فاستويا فيه بحسب الاستعمال ، فخرجت التاء عن كونها للتأنيث كما قال في مجمع البيان يقول (يقال خ) ما جائني (أي خ) امرأة ونحوها يقصد العموم ، فكأنّه قال : ما جاءني من أحد فذكّر الفعل ، ويحتمل كونها للنقل كما قال في شرح الشرائع (١) ، والأمر في ذلك هيّن.

ولكن ظاهر المتن أنه لا بدّ من الإيجاب والقبول باللفظ العربي ، بل الماضي ، والمقارنة ، وتقديم الإيجاب كما في سائر العقود اللازمة ، مثل البيع ، لأنه المتبادر من قوله : (عقد الرهن إلخ).

لعلّ دليله أن الأصل عدم الانعقاد وترتب أحكام الرهن الا ما ثبت كونه رهنا بالإجماع ونحوه وما ثبت كونه رهنا الّا مع المذكورات ، ولا دليل على غير ذلك.

وفيه تأمّل يعلم ممّا ذكرناه في العقد اللازم ، مثل البيع ، والجائز أيضا كالقرض ، مثل صدق الرهن المجوّز بالكتاب والسنّة والإجماع على غير العربي وغير

__________________

(١) في المسالك عند قول المصنف : هو وثيقة لدين المرتهن : ما هذا لفظه : وفي التعريف نظر من وجوه (الأوّل) أن (وثيقة) في العبارة وقعت خبرا عن المبتداء ، وهو الضمير المذكر المنفصل وهو يقتضي عدم المطابقة بين المبتداء والخبر في التذكير والتأنيث وهو خلل لفظي (الى ان قال) : ويمكن دفع الأول بجعل (التاء) في (وثيقة) لنقل اللفظ من الوصفيّة إلى الاسميّة لا للتأنيث كما في تاء (الحقيقة والأكيلة والنطيحة) فيحصل المطابقة.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الماضي المقارن ، بل ما يدل على رضاء الطرفين بالرهن سواء كان لفظا أو كتابة أو إشارة ، معاطاة أو غيرها الذي هو المقصود من تعيين (تعبير خ) اللفظ.

وبه استدلّ في التذكرة على اشتراط الإيجاب والقبول حيث قال : الأصل في ذلك انه لا بدّ من الرضا وذلك أمر قلبيّ مخفيّ عنّا ، ولا بدّ من المفهم ، وهو اللفظ ، مع أن الأصل عدم اشتراط (أي خ) شي‌ء آخر.

ويؤيده انه هنا ليس بلازم من طرف المرتهن فلا يبعد عدم اشتراط ما اشترط في العقد اللازم مع ما عرفت فيه فتذكر وتأمل.

قال في التذكرة : الخلاف في الاكتفاء بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب المذكور في البيع (بجملته ـ التذكرة) آت هنا والظاهر انه هنا أولى.

وأيضا قسّمه (١) الى القسمين : (الأوّل) الرهن ابتداء اي من غير كونه شرطا في عقد لازم بأن يقول الراهن : رهنت هذا عندك على الدين الذي لك عليّ فيقول المرتهن قبلت. (والثاني) ما اشترط فيه ، مثل أن يقول : بعتك هذا الشي‌ء بشرط ان ترهنني عبدك فيقول : اشتريت ورهنت أو زوّجتك نفسي على مهر قدره كذا بشرط أن ترهنني دارك على المهر فيقول الزوج قبلت ورهنت. فالقسم الأوّل من الإيجاب والقبول عند من اشترطهما ولم يكتف بالمعاطاة ، واما القسم الثاني فقد اختلفوا فيه ، فقال بعض الشافعيّة : لا يكفي ذلك ، بل لا بد ان يقول البائع بعد ذلك : قبلت ، وكذا (٢) المرأة تقول بعد ذلك قبلت الرهن ، لانه لم يوجد في الرهن

__________________

(١) يعني العلامة في التذكرة.

(٢) في التذكرة هكذا : وكذا إذا قالت المرأة : زوّجتك نفسي بكذا بشرط ان ترهنني كذا فقال الزوج : قبلت النكاح ورهنتك كذا فلا بدّ ان تقول المرأة بعد ذلك : قبلت الرهن لانه لم يوجد في الرهن سوى مجرد الإيجاب وهو بمفرده غير كاف في إتمام العقد وقال آخرون : ان وجود الشرط من البائع والزوجة تقوم مقام القبول لدلالته عليه ، وكذا الاستيجاب يقوم مقام القبول (انتهى).

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

سوى الإيجاب وهو بمفرده غير كاف ، وقال الآخرون : الشرط من البائع ، والمرأة تقوم مقام الإيجاب. ولم يرجح شيئا (١).

وهذا يدلّ على انه غير جازم في الاشتراط ، واحتمل الاكتفاء في القسم الثاني بالإيجاب مع انه بعيد ، لما مرّ من التأمل في قوله : (بشرط) فإنه يدلّ على انه لا يقع البيع والتزويج الّا بعد الرهن مع ان الرهن متأخّر ، ولانه يلزم ان يرهن على الثمن قبل إتمام الشراء ولزومه ، ويتحقق الشراء قبل الرهن.

وقد جوّز المعاطاة في البيع فيجوز هنا أيضا ، بل بالطريق الاولى فيحتمل الاكتفاء بها وعدم اشتراط الإيجاب والقبول ، وعلى تقديره ، عدم اشتراط العربيّة والمقارنة وقد يفهم من الشرائع ، الاكتفاء في القبول بغير اللفظ ، وهو يشعر بالمسامحة فيه ، قيل : الوجه في ذلك كونه جائزا من طرفه فتأمّل.

ويؤيده ما قال في التذكرة : وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي؟ الأقرب العدم ، ولكن قال : ولا بدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي فلو قال : أرهنتك كذا وانا أقبل لم يعتدّ به ، كأنه أراد ما يدل على إنشاء الرهن صريحا.

ويفهم منه تحقق قصد معنى الرهن في قلبه لا الماضي المصطلح ، لانه قال قبيله : قد بيّنا انه لا بد في الرهن من إيجاب وقبول ، فالإيجاب كقوله : رهنتك أو هذا وثيقة عندك على كذا أو هو رهن عندك أو ما أدى هذا المعنى من الألفاظ ، والقبول كقوله : قبلت أو رضيت وما أدى معناه ولا بدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي إلخ.

وهو كالصريح فيما قلناه أو أراد أنّه ان اتى بالفعل فلا بدّ من الماضي ولا يجزى الأمر والمستقبل لا المستقبل فقط كما قال في شرح الشرائع.

__________________

(١) يعني لم يرجح العلّامة بعد ذكر القولين واحدا منهما.

١٣١

وتكفي الإشارة الدالّة على الرضا مع العجز على النطق.

______________________________________________________

وهو بعيد أيضا لنفي الاعتداد بعده بقوله : (وانا أقبل) فإنه جملة اسميّة فالظاهر الأوّل.

والظاهر أنّ الاستيجاب إذا فهم منه الرضا بالقبول ـ بحيث يكون شي‌ء ظاهرا في انه جازم بالرضا والقبول ـ كاف لا مطلقا.

ولكن قال في التذكرة : وكذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول لعدم دلالته على الجزم بالرضا ، ويمكن حمله على ما قلناه لقوله ره : لعدم آه.

ولهذا يصح بالكتابة والإشارة المفهمين لا غير المفهمين.

وينبغي الاكتفاء بهما مع القدرة أيضا ، لما مرّ ، ولما فهم من كلامهم أنّ الغرض ، الفهم لا اللفظ والّا لا ينبغي صحتهما مع العجز أيضا ، لعدم اللفظ المشترط الّا مع تعذر النيابة فالاشتراط بالعجز ـ كما يفهم من المتن وغيره مثل التذكرة ـ غير واضح كما مرّ في البيع أيضا.

قال في التذكرة : ولا يكفي الإشارة ولا الكتابة إلّا مع العجز فيكفي الإشارة الدالّة عليه ، وكذا الكتابة مع الإشارة ، ولا يكفي الكتابة المجردة عن الإشارة الدالة على الرضا (١).

وينبغي ان يقول : (عن الدالة) (٢) إذ قد يكون الكتابة مع أمر آخر غير الإشارة دالّا (دالّة ظ) على الرضا ، فالظاهر. انه يكفى كالإشارة المجردّة عن الكتابة بشرط الفهم والدلالة.

نعم مجرد الكتابة والإشارة إذا احتمل غير الرضا ، لا يكفى كالألفاظ ، فلا فرق بين الألفاظ والإشارات والكنايات مع الافهام والدلالة فتكفي ، وبدونهما

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يعني بدل قوله : (عن الإشارة الدالة) بإسقاط لفظة (الإشارة).

١٣٢

ولا يفتقر الى القبض على رأي.

______________________________________________________

لا تكفي الّا أن عدم الدلالة مع الكتابة والإشارة أكثر من اللفظ الصريح فتأمّل.

وأمّا الذي يدل على جواز الرهن ، فهو الكتاب والسنة والإجماع.

اما الكتاب فمثل قوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (١) ، ويمكن جعله تحت (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) أيضا.

وأما السنّة الدالة على جوازه من طرق العامّة (٣) والخاصّة فكثيرة ، قال في التذكرة ـ بعد نقل البعض ـ مثل رواية أبي حمزة ، قال : سألته عن الرهن والكفيل في بيع النسيئة ، قال : لا بأس به (٤) ، هكذا في أوّل الرهن في التهذيب ، وقال في آخر الباب : عن أبي جعفر عليه السلام قال إلخ (٥) فالخبر صحيح : والاخبار (٦) في ذلك كثيرة لا تحصى.

وأما الإجماع فقال فيها (٧) : وقد اجتمعت الأمّة كافّة على جواز الرهن في الجملة وليس بواجب إجماعا.

قوله : «ولا يفتقر الى القبض على رأي» الظاهر منه ومن شرحه وغيره ، مثل القواعد ومن شرحه والدروس ، أن الخلاف ، في صحّة العقد وانعقاده من دون القبض فقيل : لا ينعقد ولا يصحّ الّا به ، وقيل : يصحّ وينعقد.

ولكن ظاهر التذكرة أنّ الخلاف ، في اللزوم وعدمه ، فقيل : يلزم من

__________________

(١) البقرة ـ ٢٨٣.

(٢) المائدة ـ ١

(٣) راجع سنن أبي ماجة ٢ كتاب الرهون ص ٨١٥.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٧ من كتاب الرهن.

(٥) يعني ان الشيخ ره أورده في التهذيب مرّتين أحدهما في أوّل باب الرهن وفيه عن أبي حمزة قال : سألته بالإضمار (ثانيهما) في آخر هذا الباب ، وفيه : عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال إلخ نقول : النسخة التي عندنا من التهذيب (عن أبي جعفر عليه السلام) في كلا الموضعين فلاحظ.

(٦) هذا مقول لقوله ره : قال في التذكرة فلا تغفل.

(٧) يعني في التذكرة.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

جانب الراهن بمجرد العقد ، وانه كاف في ترتب جميع أثره عليه ، وهو اختياره في التذكرة وقد صرّح به فيها مرارا متعددة ، وقيل : لا يلزم وهو اختياره في التذكرة.

قال في التذكرة : اختلف علمائنا في القبض ، هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا على قولين إلخ. ثمّ قال (١) أيضا : لو مات المرتهن قبل القبض لم يبطل الرهن وهو ظاهر عند من لم يعتبر القبض. واما من اعتبره فقد اختلفوا ونقل القولين عن الشافعي (٢) ، وكذا في الجنون (٣).

وأيضا قال في الدليل لانه عقد جائز يجوز فسخه. وأيضا قال : ان تصرف الراهن قبل القبض بهبة أو بيع أو عتق ونحوها ، فعلى ما قلناه من لزوم الرهن بمجرد العقد يكون التصرفات موقوفة ، وعلى القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعا عن الرهن فبطل الرهن ، وبالجملة وهو ظاهر من التذكرة في مواضع.

ولكن مقتضى الأدلّة وعبارات غيرها ، مثل الشرائع وغيره ، كون الخلاف في الصحّة وفرّع عليه في الدروس فروعا كثيرة مثل ان قال : لو مات الراهن قبله أو جن أو أغمي عليه أو رجع بطل ، وفي المبسوط : إذا جنّ الراهن أو أغمي عليه أو رجع قبل القبض ، قبض المرتهن لأن العقد أوجب القبض وهذا يشعر بان القبض ليس بشرط (انتهى) (٤).

__________________

(١) في فروع البحث الرابع حق المرهون به.

(٢) عبارة التذكرة بعد قوله ره : فقد اختلفوا هكذا : فقال بعضهم : ببطلانه لانه عقد جائز والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين كالوكالة وهو أحد أقوال الشافعي ، وفي الآخر : لا يبطل الرهن ويقوم وارثه مقامه في القبض وهو أصح أقوال الشافعي لأن مصيره الى اللزوم ، فلا يتأثر بموته كالبيع في زمن الخيار (انتهى موضع الحاجة).

(٣) يعني ونحو هذين القولين قاله في ما لو جن احد المتعاقدين.

(٤) يعني كلام الدروس أورده في أوائل رهن الدروس مع زيادة قوله ـ بعد قوله ليس بشرط : وان كان للمرتهن طلبه ليتوثّق به.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال (١) في شرح المتن : هذا قول الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط (الى قوله). وذهب الشيخ في النهاية وموضع من المبسوط الى ان القبض شرط في صحته ، وهو مذهب المفيد إلخ.

وهذه كالصريحة في ان الخلاف في الصحة لا اللزوم ، وقال (٢) بمقالة التذكرة ، في شرح الشرائع ونقل منها ما يدلّ عليه.

ويمكن أن يؤول كلام التذكرة بحيث ينطبق غيره ، بان يكون المراد باللزوم الصحّة ، لكنه بعيد من جهة اللفظ ، ومن جهة ترتب احكامه عليه ويكون القول بالصحّة وعدم الاشتراط من العامّة ، ولهذا نسب الخلاف إليهم لا إلى أصحابنا.

ويمكن العكس أيضا ، وهو أيضا بعيد لما مرّ.

ويمكن ان يكون المذاهب ثلاثة : ١ ـ عدم اشتراط القبض بوجه. ٢ ـ واشتراطه في الصحة. ٣ ـ أو اللزوم فقط كما في الهبة فإنه نقل فيها في الدروس ثلاثة أقوال مثل ما قلناه هنا وان قال في شرح الشرائع ـ بعد تقرير الخلاف في لزوم الرهن من جانب الراهن كالقبض في الهبة ـ : وهو مشعر بكون الخلاف في الهبة أيضا في اللزوم وعدمه.

والظاهر انه ليس كذلك ، ولهذا قال في القواعد وغيره : لو مات الواهب بطلت الهبة. وبهذا يحصل الجمع بين كلام القوم هنا.

فاما دليل الاشتراط فهو أنّ الأصل عدم حصول ما يقتضي منع الراهن عن التصرف في ماله ، وخرج منه بعد القبض بالإجماع وبقي الباقي ، وقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٣) ، اشترط في الرهن القبض فلا

__________________

(١) يعني صاحب الدروس في شرح إرشاد العلامة عند قوله : ولا يفتقر الى القبض إلخ.

(٢) يعني الشهيد الثاني.

(٣) البقرة ـ ٢٨٣.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يصح بدونه.

ورواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا رهن الّا مقبوضا (١).

وقد نقل هذه في التذكرة وشرح الشرائع عن الصادق عليه السلام ، وفي التهذيب وغيره مثل المختلف ، كما ذكرناه.

ويمكن ان يقال : الأصل لا يبقى عند الدليل ، وان دلالة الآية غير ظاهرة لكونها بالمفهوم ، ولكونها للإرشاد بالاتفاق فالقيود أيضا كذلك (لذلك خ) ، الا ترى أنّ السفر غير شرط باتفاقنا ، وكذا عدم وجدان الكاتب فيكون القبض كذلك كما هو ظاهر ، فلا يدل على اللزوم والوجوب في القبض كأصله ، فإن الرهن غير واجب بالإجماع المنقول في التذكرة ، والإرشاد تقتضي تمام التوثيق ، وهو انما يحصل بالقبض التام وهو كونه بيد المرتهن وفي تصرفه.

فالظاهر ، حمل الآية عليه ليتمّ الغرض ، إذ بمجرد القبض ثم الدفع الى المالك لا يتمّ ، بل وجوده وعدمه سواء.

وقيل : معلوم عدم اشتراط ذلك بالإجماع المدعى في شرح الشرائع الا ان الذي يظهر من التذكرة ـ في مسألة منع المرتهن عن التصرف ـ أنّ القائل بالاشتراط يقول به فتأمّل.

بل استدلّ المصنف وغيره بها (٢) على عدم الاشتراط ، فان القبض وصف للرهن فهو يتحقق بدونه ، والّا يلزم اللغو.

ولا يحسن دفعه ، بأنّ اللغوي موجود ، والشرعي انما يتحقق بالقبض كما

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الرهن

(٢) يعني بآية (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكره في شرح المتن ، لأنه (١) إذا وجد الشرعي يصرف اليه كما يقتضيه القاعدة ، على ان اللغوي لا يناسب وصفه بالقبض الّا أن يكون بمعنى المرهون.

ولا (٢) بان الصفة قد تكون للكشف كما قاله في شرح الشرائع كما في التجارة عن تراض ، لأن (٣) الأصل في الوصف عدم كونه كاشفا وكونه لفائدة كما هو الظاهر والمبيّن.

والظاهر كون (تراض) ليس كذلك ، إذ يتحقق بغيره أيضا التجارة.

والخبر ضعيف لانه منقول في التهذيب ، عن الحسن بن محمد بن سماعة (٤) بغير واسطة ، ومعلوم وجودها ما بينه وبين الشيخ ، مع عدم ظهورها (٥) وكونه واقفيّا ، لا (٦) لاشتراك محمد بن قيس كما قيل ، لأني قد تحققت كونه ، البجلي الثقة كما مرّ غير مرّة فتذكر.

ويمكن تأويله أيضا بمثل تأويل الآية وغيره.

ويدلّ على عدم اشتراط القبض صدق الرهن وتحقق عقده فيدخل تحت

__________________

(١) تعليل لقوله قده : ولا يحسن

(٢) عطف على قوله قده : بان اللغوي إلخ.

(٣) تعليل لقوله قده : ولا بان الصفة إلخ.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسن بن محمد بن سماعة ، عن صفوان ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس إلخ وطريق الشيخ الى الحسن بن محمد بن سماعة ـ كما في مشيخة التهذيب ـ هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسن بن محمد بن سماعة فقد أخبرني به احمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، وأخبرني أيضا الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله واحمد بن عبدون كلهم عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري ، عن حمد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة.

(٥) الظاهر انه قده يريد ان الواسطة بين الشيخ وابن سماعة غير ظاهر الوثاقة ، هذا ولكن في رجال المتتبع المتضلع الميرزا محمد الأردبيلي رحمه الله عند ذكر طرق الشيخ : ما لفظه والى الحسن بن محمد بن سماعة موثق في المشيخة والفهرست (انتهى).

(٦) ولا يضر الاشتراك في محمد بن قيس ـ خ.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، والمسلمون عند شروطهم (٢) وغير ذلك.

ويدلّ عليه أيضا الأخبار الكثيرة جدّا بحيث لا تعدّ ولا تحصى ، الدالّة على جواز الرهن ـ كما ادّعاه في التذكرة كما مرّ والمشتملة على أحكام الرهن ، مثل جوازه على النسيئة (٣) كما تقدم وجواز التصرف في الرهن وعدمه بالإذن (٤) ، والأخبار الصحيحة ، في جواز الوطء (٥) ، والضمان على المرتهن (٦) ، وعلى حكم الاختلاف في الزيادة والنقصان (٧) ، وجواز البيع لو فقد صاحبه وحفظه له على تقدير الزيادة (٨) ، والاختلاف بينهما في كونه رهنا أو وديعة (٩) وغير ذلك من غير تقييد برهن مقبوض.

بل ذكر أحكامه التي ترتب على المقبوض على محض الرهن من غير ذكر القبض وعدمه ، ولو كان شرطا لما كان ينبغي ذلك ، بل يجب التفصيل لئلّا يحصل الإغراء بالجهل ولهذا قالوا : ترك التفصيل في مثل ذلك دليل العموم.

وبالجملة ، صدق العقد ـ مع الأصل وعدم ظهور مانع ، بل بعد إبطال مانعيّة الآية والخبر مؤيدا بما ذكرناه من الأخبار ـ دليل على عدم الاشتراط.

فقول شارح المتن : وليس الاستدلال بمفهوم الآية ، بل بالأصل وذكرت الآية لأنها دلّت على جواز المقبوض فبقي الباقي تحته ، ولأنّ حفظ المال واجب فكذا ما يتوقّف عليه غير واضح.

لما مرّ ، ولان الوجوب هنا غير ظاهر ، ولهذا لا يجب أخذ الرهن فكيف

__________________

(١) المائدة ـ ١

(٢) عوالي اللآلي : ج ٢ ص ٢٥٨ حديث ٨.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١ من كتاب الرهن.

(٤) لاحظ الوسائل باب ٨ منه.

(٥) لاحظ الوسائل باب ١١.

(٦) راجع الوسائل باب ٧ من كتاب الرهن.

(٧) راجع الوسائل باب ١٧ من كتاب الرهن.

(٨) راجع الوسائل باب ٤ من كتاب الرهن.

(٩) راجع الوسائل باب ١٦ من كتاب الرهن.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القبض وقد يكون محض العقد كافيا ويلزم به مثل البيع وغيره فتأمّل.

ثم ان ظاهر بعض الأدلّة المتقدمة ـ مثل أوفوا ، والمسلمون ـ اللزوم ، ولهذا ادّعوا أنّ الأصل في العقود ، اللزوم ، وقد مرّ في بحث البيع ، فإذا ثبت الصحّة ثبت اللزوم.

وجعل المصنف في التذكرة ، الأدلة على اللزوم ، فعلى هذا القول لا يجب على الراهن الإقباض ، لكن لا يجوز له الرجوع بعد العقد ، فلا يشكل لو شرط في عقد لازم ولا يجب عليه حينئذ التسليم والإقباض ، بل انما يجب عليه إيقاع عقد رهن ، وعدم الخروج عن مقتضاه الا ان يصرّح بالقبض ، أو تدل عليه قرينة.

واما على القول بالاشتراط في الصحّة ، فالظاهر انه لا بد من الإقباض ثم عدم الخروج عن مقتضاه.

واما على القول بأنه شرط للّزوم دون الصحّة فيشكل الأمر لأنه حصل الشرط بمجرد العقد فلا يكلّف بالإقباض ، بل لو رجع لكان له ذلك لعدم اشتراط اللزوم عليه ، بل محض العقد وقد فعل.

والظاهر أنه ـ وان لم يلزم الإقباض إلا بالقرينة ـ لا يكون له الرجوع هنا لانه معلوم ان القصد بالرهن ليس إيقاع الصيغة فقط ، بل الاستيثاق واستيفاء الحق على تقدير عدم حصوله وذلك انما يتم لو لم يكن له الرجوع ، فكأنّ اشتراطه في العقد اللازم دالّ صريحا على ان المراد رهن لازم ، فلا يحتاج إلى قرينة أخرى وان كان ضمّ كونه لازما أو مقبوضا أحسن وأولى فلا إشكال مطلقا على الظاهر.

الا ان الظاهر عدم التكليف بالإقباض إلا مع ما يدل عليه أو على القول بأنه شرط للصحّة فتأمّل.

واستشكل في القواعد في المطالبة بالإقباض.

ويظهر منه ومن شرحه أنّ اللزوم لا كلام فيه ، انما الكلام في الإقباض كما

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قلناه فيتحقق اللزوم بالقصد والقبول ولا ينحصر أسبابه في القبض.

الا ان يقال : إنّ هذا على القول بعدم الاشتراط كما هو ظاهرهما.

ولكن يضعّف الإشكال حينئذ ، إذ فائدة الرهن الاستيثاق بعدم تصرف المالك بالبيع وغيره فيه ، وقد حصل وان لم يكن في قبضه ، وما شرط عليه الّا الرهن اللازم وقد فعل وما يجب عليه غيره.

وبالجملة ليس الإشكال الّا على مذهب الصحّة بدون اللزوم ويمكن دفعه أيضا كما مرّ.

وما أشبه هذا ، بما إذا نذر أمرا جائزا مثل التدبير أو الوصيّة ثم فعل ، فهل يجوز الرجوع أم لا؟ فتأمّل.

وظاهر أنّ المراد بالشرط هنا الأمر الذي لا بدّ منه لحصول المشروط ، لا الخارج المقدّم على المشروط ، والذي يجب حصوله قبله ، وهو إطلاق شائع خصوصا عند الفقهاء في مثل هذا الباب.

ثم ان الظاهر ان (١) القبض يشرط فيه اذن المالك ان قلنا : بلزومه من غير قبض أو صحته كذلك ، الّا ان يستحق القبض بوجه من الوجوه الشرعيّة اللازمة عليه من غير اشتراط اذنه.

واما ان قلنا : بعدم الصحّة إلّا بالقبض ، فان لزمه الرهن الشرعي بوجه شرعيّ لازم مثل ان شرط في عقد لازم أو بنذر وشبهه ، فالظاهر عدم الاشتراط (٢) لأنّه لازم عليه شرعا من غير توقف على أمر آخر فيجب عليه التسليم ، فلا يبعد الأخذ من غير اذنه للزومه عليه وعدم جواز الامتناع فلا أثر للإذن ، إذ ليس له المنع.

__________________

(١) ان في القبض يشترط اذن المالك ـ خ.

(٢) يعني عدم اشتراط اذن المالك حينئذ.

١٤٠