مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩١

١
٢

كتاب الحدود

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الحدود

وفيه مقاصد :

الأوّل : في الزنا

وفيه فصول :

الأوّل

الزنا إيلاج ذكر الإنسان حتّى تغيب الحشفة في فرج امرأة ـ قبل أو دبر ـ محرّمة من غير سبب مبيح ولا شبهة.

______________________________________________________

كتاب الحدود

قوله : «الزنا إيلاج إلخ» المراد بالزنا ، دخول ذكر إنسان في فرج امرأة قبلا أو دبرا ، محرّمة بالأصالة من غير سبب مبيح من العقد والملك ، ولا شبهة.

فمراد المصنف بالإنسان ، المكلّف ، وكذا بالمرأة ، فيخرج الصبي والمجنون ، والمكره ، والصبيّة ، والمجنونة ، والمكرهة من الفاعل والمفعول وقوله : (من غير سبب إلخ) بيان التحريم.

٥

ويشترط في الحدّ ، العلم بالتحريم ، والبلوغ ، والاختيار.

فلو توهم العقد على المحرّمات المؤبّدة صحيحا سقط.

ولا يسقط الحدّ بالعقد مع العلم بفساده.

ولا باستئجارها معه للوطء.

ولو توهم الحلّ به أو بغيره كالإباحة فلا حدّ.

ولو تشبّهت عليه حدّت هي دونه.

______________________________________________________

والمراد تحريم المرأة والرجل ، أي الأجنبيّ والأجنبيّة ، لا الدخول ، فلا يدخل الدخول في الحيض ، والصوم ، والاعتكاف ، والإحرام.

وكان يمكن ان يراد المرأة التي يحرم عليهم وطؤها أصالة ، فلا يحتاج إلى سبب مبيح ، بل كان (من غير شبهة) كافيا.

وأيضا المراد بالنسبة إلى الفاعل والمفعول الى ذلك كلّه.

واليه أشار بقوله : (ويشترط في الحدّ ـ أي يشترط في الحدّ بالزنا مطلقا ـ العلم بتحريمه) من غير ان يحصل عنده شبهة محلّلة.

فلو توهم الواطئ حلّ احد المحرّمات المؤبّدة ، نسبا أو رضاعا أو مصاهرة يسقط الحدّ ـ أي لا يجب به الحدّ.

ولا يسقط بمجرّد العقد مع العلم بالتحريم معه وفساد العقد.

وكذلك لا يسقط الحدّ ، بل يتعلّق ويجب.

ويجب باستئجار المرأة للوطء مع العلم بعدم الحلّ بذلك وفساد العقد ، نعم لو توهّم الحلّ بالاستئجار أو بغير الاستئجار مثل ان تهب نفسها أو تبيح وطئها أو يوقعه بلفظ غير صحيح أو يكون قصده الإباحة مع الجهل بانّ ذلك غير كاف ، وكذا العقود الفاسدة لعدم العربيّة ، أو القصد ، أو الأعراب ، أو المقارنة أو ، الاشتمال على

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شرط فاسد مثل ان لا يطأ ، وبالجملة جميع ما يمكن ان يتوهّم ويعتقد أنّه ليس بمحرّم وان كان نفس رضاهما وبأيّ شي‌ء كان.

فإنّه (١) موجب لعدم تعلّق الحدّ وسقوطه.

ودليل تحريم الزنا ووجوب الحدّ مع الشرائط ، الكتاب (٢) ، والسنة ، والإجماع.

ودليل عدمه مع عدم ـ ولو كان بوجه بعيد ـ كون الجاهل معذورا ، وبناء الحدود على التخفيف ، وادرأوا الحدود بالشبهات (٣).

وتدلّ عليه الاخبار أيضا ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل دعوناه إلى جملة الإسلام فأقرّ به ، ثم شرب الخمر ، وزنا ، وأكل الربا ، ولم يبيّن (ولم تبين ـ ئل) عليه شي‌ء من الحلال والحرام ، أقيم عليه الحدّ إذا جهله؟ قال : لا ، الّا ان تقوم عليه بيّنة انه قد كان أقرّ بتحريمها (٤).

وقريب منه حسنة أبي عبيدة الحذاء عنه عليه السلام (٥).

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : لو توهم الحلّ.

(٢) قال الله تعالى (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ) (الى أن قال تعالى) (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) الآية ـ الفرقان : ٦٢ ـ ٦٧.

وقال عزّ وجلّ (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) ـ الاسراء : ٣٢.

وقال عزّ من قائل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) الآية ـ الممتحنة : ١١.

وقال جلّ وعلا (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية ـ النور : ٢.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٦.

(٤) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٤.

(٥) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٤.

٧

ولو أكرها أو أحدهما فلا حدّ.

______________________________________________________

ورواية أبي بصير ـ المشتملة ـ على قضاء أمير المؤمنين التي ما قضى بها احد (١).

ولعلّ إجماع الأمّة أيضا فضلا عن إجماعنا.

بل نقل عن أبي حنيفة انه ذهب الى ان مجرد العقد على المحرّمات وان كان عالما بفساده وتحريمه وعدم أثره ، شبهة يدرأ بها الحدّ ، فعنده إذا عقد شخص على المزنيّ بها ، الأجنبيّة أو المحرّمة حتى الام والأخت عقدا معتقدا فساده ثم يطأها عمدا عالما ، لا يلزمه الحدّ شرعا مع علم الشارع والحاكم بذلك ، لانّه شبهة مدرئة للحدّ.

وفساده أظهر من فساد الحكم بحلّية مال الناس بمجرّد حكم الحاكم مع علم المحكوم له بأنّه مال الغير وليس له فيه حق أصلا ، والشهود شهود زور وتزوير والحكم باطل في نفس الأمر وقد نقل حليته عنه فافهم.

ومن الشرائط أيضا ، البلوغ والاختيار.

ودليل اشتراطهما أيضا ، العقل ، والنقل من الكتاب (٢) ، والإجماع ، وعموم السنّة وخصوصا ، مثل رفع عن أمتي ، الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه (٣).

ورفع القلم عن ثلاثة ، عن الطفل حتى بلغ ، والمجنون حتى أفاق ، والنائم حتى استيقظ (٤).

ويكفي في سقوط الحدّ مجرّد دعوى الإكراه مع عدم العلم بفساده ، ولا

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٥ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٢٤ ولا حظ ذيله.

(٢) قال تعالى «إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).» بل سوق آيات الزنا في البالغين المختارين كما لا يخفى على المتأمّل.

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج ٥ ص ٣٤٥ منقول بالمعنى ، وباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٧٩٥.

(٤) الوسائل باب ٨ ذيل حديث ٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٧.

٨

أو ادّعيا الزوجيّة.

ولو ادعاها أحدهما سقط عنه وان كذّبه الآخر من غير بيّنة ولا يمين أو ادعى الشبهة.

______________________________________________________

يحتاج إلى السؤال ، والتحقيق ، والبيّنة ، واليمين لما مرّ.

ولصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : أنّ عليّا عليه السّلام أتى بامرأة مع رجل (قد خ) فجر بها ، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحدّ ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا : لا تصدّق وقد والله فعله أمير المؤمنين (١) صلوات الله عليه.

وكأنّ اشتراط العقل داخل في اشتراط العلم ، ولذا ما ذكره ودليله خبر رفع عن أمتي إلخ (٢) وهو ظاهر.

وكذا يسقط الحدّ إذا ادّعيا الزوجية بمعنى انّه لا يجوز للشارع أن يحدّه لانّه قد أبدا شبهة ـ دارئة للحدّ وان لم تكن دارئة في نفس الأمر لذلك ، بل إنّما قالاه لإسقاط الحدّ في الظاهر وفي نفس الأمر لا يسقط ، بل يجب عليه وتعلّق به فالفرق بين ما تقدم وبين هذه ، انّه هناك لا حدّ في نفس الأمر ، ولا في ظاهر الشرع ، بخلاف الثاني ، فإنّه يثبت الحدّ في نفس الأمر ، ولكن ساقط بحسب الظاهر بناء على دعواهم الكاذبة ، وهو ظاهر.

ولو ادّعى الزوجيّة أحدهما دون الآخر ، يسقط الحدّ عنه ، لا عن صاحبه الذي لا يدّعي الزوجيّة.

وجهه ظاهر وهو إبداء الشبهة الدارئة وعدمها.

وكذا يسقط الحدّ عن مدّعي شبهة اخرى غيرها ، فان ادّعيا يسقط عنهما

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٢.

(٢) تقدّم ذكر موضعه آنفا.

٩

ولو زنى المجنون بعاقلة حدّت دونه ، وبالعكس.

ولو كانا مجنونين فلا حدّ.

ويحد الاعمى الّا مع الشبهة ، ويصدق.

ولو عقد فاسدا وتوهّم الحلّ به فلا جدّ.

ولا حدّ في التحريم العارض كالحيض والإحرام والصوم.

______________________________________________________

وان ادّعى أحدهما سقط عنه دون الآخر ، وان كذّبه لا يحتاج في السقوط وسماع هذا القول منهما الى بيّنة ولا يمين ، بل يسقط ويقبل بدونهما للإجماع والخبر (١) وهو ظاهر.

قوله : «ولو زنا المجنون بعاقلة إلخ» أي لو وطئ المجنون مرآة عاقلة بالغة باختيارها وعلمها بأنّه حرام من غير شبهة ، يحدّ المرأة حدّ الزنا دون المجنون ، لحصول شروط الزنا فيها دونه.

وكذا لو كان الرجل العاقل البالغ المتصف بشرائط الزنا ، وطئ مجنونة ، يحدّ الرجل دون المرآة لما مرّ.

ولو كان كلاهما مجنونين ، فلا حدّ على أحدهما أصلا.

ويحدّ الأعمى ، إذ ليس البصر من شرائط الزنا الموجب للحدّ ، فلو وجد منه الزنا حدّ الّا ان يدّعي شبهة فيصدّق في ذلك فيقبل منه كالبصير.

فلو عقد الأعمى أو شخص مطلق عقدا فاسدا في نفس الأمر وتوهم ان ذلك العقد الفاسد صحيح ويحلّ به الوطء ، لا يحدّ العاقد وقد مرّ.

وأيضا لا حدّ في الوطء بالزوجة إذا عرض له التحريم ، مثل الوطء في الحيض ، والصوم ، والإحرام ، والاعتكاف ، فإنّه ليس زنا لما مرّ من تعريف الزنا ،

__________________

(١) يحتمل أن يكون خبر إدرأوا الحدود كما تقدم.

١٠

ويشترط في الرجم ـ مع الشروط السابقة ـ الإحصان ، وهو التكليف ، والحريّة ، والإصابة في فرج مملوك بعقد دائم أو ملك يمين متمكن منه يغدو عليه ويروح.

والمرأة كالرجل ، والفاسد والشبهة لا يحصنان.

______________________________________________________

بل وطء حرام موجب للتعزير إن كان عالما بالتحريم ، بناء على ما ثبت من التعزير في كلّ محرّم.

قوله : «ويشترط في الرجم إلخ» الحدّ في الزنا إمّا جلد أو رجم ، والجلد يتحقق بمجرد تحقق الزنا المذكور سابقا بالنص كتابا (١) ، وسنة ، وإجماعا للمسلمين.

وامّا الرجم ، فهو مخصوص بالمحصن والمحصنة بنصّ السنة ، والإجماع فيخصص عموم الكتاب بغير المحصن بهما.

والشرائط السابقة المشتركة ، هو دخول الذكر بحيث يغيب الحشفة أو مقدارها في العديم ، في فرج امرأة ، بغير عقد ، ولا شبهة مع البلوغ ، والعقل ، والعلم ، والاختيار ويزيد في الرجم عليها ، الإحصان.

والمراد به هنا ، التكليف ، والحريّة ، والدخول بعدهما ، في فرج امرأة معقود عليها عقدا دائما ، أو ملك يمين متمكنا منها حين الزنا أن يغدو ويروح يعني تكون حاضرة عنده بحيث كلّما أراد وطيها كان متمكنا.

ويحتمل ان يكون المراد ب «يغدو ويروح» الوطء في الصباح والمساء ، والغداة والعشاء كما هو ظاهر معناهما الحقيقيين.

والمرأة في هذه الشرائط الرجم ، مثل الرجل الّا أنّ التمكن يكون من جانب الزوج يعني لم يكن من زوجها مانع عن ذلك فكلّ ما أراد ، فعل ، لا كلّما أرادت

__________________

(١) قد أشرنا إليه في أول البحث فراجع.

١١

ولا تخرج المطلقة رجعيّة عن الإحصان وتخرج بالبائن.

ولو تزوجت الرجعيّة عالمة بالتحريم رجمت.

ويحدّ الزوج مع علمه بالتحريم والعدّة.

ولو جهل أحدهما فلا حدّ.

ولو علم احد الزوجين اختصّ بالحدّ التام.

ويقبل ادعاء الجهل من المحتمل في حقّه.

______________________________________________________

فعل فالوطء بالعقد الفاسد مع الجهل به ، لا يحصن ، وكذا الشبهة.

والمطلقة الرجعيّة بحكم الزوجة ، فالإحصان معها متحقق ما دامت في العدة بخلاف البائن فإنّها ليست بحكمها.

فلو تزوّجت الرجعيّة ودخل بها زوجها الثاني عالمة بالتحريم من غير شبهة موجبة لسقوط الحدّ رجمت.

ورجم الزوج أيضا ان كان شرائط الرجم فيه أيضا متحققا ، بان تكون عنده زوجة مدخولا بها متمكنا منها والّا يجلّد مع شرائط الجلد فقط مع العلم بتحريم التزويج في العدة والعلم بها.

ولو جهل الزوج التحريم أو العدّة فلا حدّ.

وكذا لو كان معه شبهة اخرى مسقطة.

ولو كان احد الزوجين عالما بالتحريم ـ أي تحقق في حقه شرائط الحدّ أيّ قسم كان دون الآخر ـ يختص جامع الشرائط بالحدّ دون الآخر ، وهو ظاهر ، وقد مرّ مرارا.

ويقبل ادعاء الجهل من الذي يمكن في حقه ذلك ولو كان بعيدا بغير يمين ولا بيّنة.

وكذا يقبل دعوى نسيانه وجميع ما يمكن ان يعدّ شبهة على ما مرّ غير مرّة.

١٢

ولا يشترط الإحصان في الواطئين ، بل لو كان أحدهما محصنا رجم وجلد الآخر.

ويشترط في إحصان الرجل عقل المرأة وبلوغها ، فلو زنى المحصن بمجنونة أو صغيرة فلا رجم.

وفي إحصان المرآة ، بلوغ الرجل خاصّة ، فلو زنت المحصنة بصغير فلا رجم ، ولو زنت بمجنون رجمت.

ويشترط وقوع الإصابة بعد الحريّة والتكليف ورجعة المخالع.

______________________________________________________

ولا يشترط في رجم المحصن كون الآخر محصنا أيضا ، بل إذا حصل الزنا منهما ، فان كان الإحصان متحققا في أحدهما يرجم المحصن ويجلد الآخر ، وان لم يكن زنا بالنسبة إليه ، فلا يرجم أيضا ، فلا يشترط كون الوطء زنا بالنسبة إلى الواطئين معا في الجلد ، ولا في الإحصان ، فضلا عن إحصانه ، وهو ظاهر وقد مرّ.

نعم يشترط في إحصان الرجل ورجمه كون المرأة المزنيّ بها عاقلة بالغة ، فلو زنا المحصن بمجنونة أو صغيرة ، فلا رجم.

ويشترط أيضا في إحصان ، المرأة ورجمها ، بلوغ الرجل الزاني بها ، لا عقله ، فلو زنت المحصنة بصغير فلا رجم عليها أيضا ، ولو زنت بمجنون رجمت فقط ، ولا رجم ولا جلد على الصغير والمجنون ، نعم قد يخوّفان ويؤدّبان (يؤذيان ـ خ ل) ان حصل باختيارهما.

ويشترط في الدخول الذي من شرائط الإحصان كونه بعد الحريّة وبعد التكليف ، فلو أعتق العبد المزوج الداخل بمرأة ولم يدخل بعده وزنا حينئذ لا يرجم وان تحقق جميع شرائط الرجم الّا الدخول بحليلته.

وكذا لو دخل الصبي بامرأة ثم بلغ وزنى قبل الدخول لا يرجم ، بل يجلدان وأيضا من شرائط الدخول كونه بعد رجعة الخالع (المخالع ـ خ ل) فلو دخل رجل

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بامرأته ثم خالعها فرجعت المرأة في البذل ، فرجع الرجل الى زوجته المخالعة ثمّ زنى قبل وطء امرأته المراجعة والمخالعة ، لم يرجم وان تحقق شرائطه غير الدخول ويجلد.

وجه ذلك ظاهر ، فإنّ المرأة بعد الخلع خرجت عن حباله وصارت أجنبيّة محضة ، وبعد الرجوع صار بمنزلة شخص تزوّج امرأة أجنبيّة أو التي طلّقها بائنا ، وقد شرط في الإحصان الوطء بامرأته التي في حباله وما تحقّق حينئذ ، فإنّ هذه زوجته ، زوجة أخرى فكأنّه (فكأنها ـ ظ) ما صارت مدخولا بها منه أصلا.

وكذا يشترط الوطء بعد الحريّة ، فلا بد ان يكون حرّا فوطأ امرأته وكانت امرأة حرّة مدخولا بها منه حتّى يتحقق الإحصان ، فلو لم يتحقق الوطء بعد الحريّة لم يتحقّق الشرائط.

وكذا يشترط ان يكون الدخول بعد التكليف لا قبله فإنّ الدخول قبل التكليف كاللادخول.

نعم الزوجيّة كافية لو كانت قبله ، وكذا الملكيّة لدوامهما.

ولا يشترط ابتداؤها حال التكليف بخلاف الوطء ، فإنّه ليس بدائم ، هذا ظاهر.

وتدلّ عليه في الجملة ، صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنا بامرأة؟ قال : يجلد الغلام دون الحدّ ، وتجلد المرأة الحدّ كاملا ، قيل : فان كانت محصنة؟ قال : لا ترجم ، لأن الذي يلجها (نكحها ـ خ) ليس بمدرك ، ولو كان مدركا رجمت (١) وموثقة ابن فضال ، عن ابن بكير (عن أبي مريم ـ ئل) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة أيّ شي‌ء يصنع بهما؟ قال : يضرب

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٢.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الغلام دون الحدّ ويقام على المرأة الحدّ ، قلت : جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال : تضرب الجارية دون الحدّ ويقام على الرجل الحدّ (١).

ورواية أبان (عن أبي العباس ـ ئل) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا يحدّ الصبي إذا وقع على المرأة ، ويحدّ الرجل إذا وقع على الصبيّة (٢).

والمراد بضرب الصبي دون الحدّ ، الظاهر ، التعزير بما يراه الحاكم ، وذلك قد يكون بنقص العدد ، وقد يكون بنقص الضرب وكيفيته.

وتدل عليه صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال انّ في كتاب عليّ صلوات الله عليه انّه كان يضرب بالسوط وبنصف السوط وببعضه وينقصه في الحدود وكان إذا أتي بغلام وجارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود الله عزّ وجلّ قيل له : وكيف كان يضرب؟ قال : كان يأخذ السوط وبيده من وسطه أو من ثلثه ثم يضرب به على قدر أسنانهم ولا يبطل حدّا من حدود الله عزّ وجلّ (٣).

فالمراد بعدم الحدّ ودونه الضرب الناقص من الحدّ في الجملة وان كان ذلك على سبيل التعذر (التعزير ـ خ ل) ولا يبعد مثل ذلك في المجنون أيضا للعلّة ، فتأمّل.

وامّا الدليل على اشتراط الإحصان في الرجم بالمعنى المذكور الذي اعتبر فيه ما ذكره من البلوغ والعقل فما تقدم ، وانّ الحدّ رجما وجلدا هو فرع التكليف ، وهو فرع البلوغ والعقل وما في الخبر المشهور بين العامّة والخاصّة : «وعن المجنون حتّى أفاق» (٤) وما تقدّم في الصبي ، فتأمّل ، ونقل عن الشيخين وجماعة وجوب الحدّ على المجنون.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٢.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٢.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٠٧.

(٤) راجع الوسائل باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٧٩٥.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لرواية أبان بن تغلب ، قال : أبو عبد الله عليه السّلام : إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ ، وان كان محصنا رجم ، قلت : وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال : المرأة إنّما تؤتى والرجل ويأتي وانما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة ، وان المرأة إنّما تستكره وتفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها (١).

مع قصور السند والدلالة ، لاحتمال حملها على القليل العقل أو المعتوه الذي زنى وقت إفاقته ، ويؤيّده قوله عليه السّلام : (إنّما يأتي إذا عقل) فتأمّل.

وامّا الحريّة فيدل على اعتبارها ، الاعتبار ، من ان تغليظ العقوبة ، انّما هو باعتبار تغليظ العمل ، فلمّا كان من الحرّ أغلظ ـ لشرف نفسه وتسهيل امره ـ لعدم يد عليه ـ بخلاف المملوك فيهما ـ فتناسب ذلك التخفيف بالنسبة إلى الحرّ ، فتأمّل.

وتدل عليه أيضا صحيحة أبي بصير (يعني المرادي ـ ئل) ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال في العبد يتزوج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة؟ قال : فقال : لا رجم عليه حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق ، قلت : فللحرّة عليه خيار (خيار عليه ـ ئل) إذا أعتق؟ قال : لا ، قد رضيت به وهو مملوك فهو على نكاحه الأول (٢).

هذه تدل على اعتبار الدخول في الإحصان وانّه لا يكفي الدخول مطلقا ، بل لا بد من تحقّقه بعد حصول شرائط العتق والبلوغ كما مرّ ، فتأمّل.

وتدل على عدم الخيار للحرّة ـ التي تحته إذا أعتق مع العلّة ـ كأنه لا خلاف في ذلك.

وتدل على اعتبار الإصابة ـ وهو الدخول أيضا ـ صحيحة رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يزني قبل ان يدخل بأهله أيرجم؟ قال : لا (٣)

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٨٨.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٨.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٨.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتدل عليه أيضا ، صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال : لا ، ولا بالأمة (١). وتدل على عدم الإحصان بالأمة فتأمّل.

وصحيحة يونس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ)؟ قال : إحصانهن إذا دخل بهنّ ، قال : قلت : أرأيت ان لم يدخل بهنّ وأحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال : بلى (٢).

وهي تدل على اعتبار الدخول في إحصانهن أيضا.

وفي موثق إسحاق ـ له (٣) أيضا ـ إشعار باشتراط الدخول وستجيئان.

والاعتبار أيضا من كسر (ـ كسره ـ خ) الشهوة وحصول اللذة والخصوصيّة فتأمّل.

ولا بد من كون الدخول بالمرأة الدائمة أو المملوكة دون المتعة.

وتدل عليه موثقتي إسحاق ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل إذا هو زنا وعنده السرية والأمة يطأها ، تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال : نعم انّما ذلك لان عنده ما يغنيه عن الزنا ، قلت : فان كانت عنده أمة وزعم انّه لا يطأها فقال : لا يصدّق ، قلت : فان كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال : لا ، انّما هو على الشي‌ء الدائم عنده (٤).

ومثلها اخرى ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام : الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال : فقال : نعم انّما هو على وجه الاستغناء ، قال : قلت : والمرأة

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٩ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٩.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ١١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٦٠.

(٣) يعني كونه موثقا لا صحيحا لأجل وجود إسحاق لكونه فطحيا ثقة.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٢.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعة؟ قال : فقال لا إنما ذلك على الشي‌ء الدائم ، قال : قلت : فان زعم أنّه لم يكن يطأها؟ قال : فقال : لا يصدق ، وانّما أوجب ذلك عليه لانه يملكها (١).

ورواية هشام وحفص بن البختري عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرجل يتزوج المتعة أتحصنه؟ قال : لا انّما ذاك على الشي‌ء الدائم (٢) (عنده ـ ئل).

وفي ثانية ، إسحاق ، محمّد بن عيسى عن يونس (٣) ، وفي الثالثة إرسال كما ترى (٤).

مع أنّ عدم الإحصان بالمتعة ، معلّلة بعدم الدوام ، فلو كانت متعته دائمة بأن تكون سنين كثيرة ، يحتمل حصول الإحصان ، إذ يقال : انّها دائمة عنده ، إلّا أن يمنع ، فتأمّل.

وصحيحة حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحصن؟ قال : الذي يزني وعنده ما يغنيه (٥).

وحسنة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم ، إلّا أن يكون الرجل مع المرأة ، والمرأة مع الرجل (٦).

وصحيحة أبي بصير ، قال : قال : لا يكون محصنا حتّى (الّا أن يكون

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٢.

(٣) سندها هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار.

(٤) يعنى انه قال : (عمن ذكره).

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٣.

(٦) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٥.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خ ـ ل ـ ئل) تكون عنده امرأة يغلق عليها بابه (١).

وصحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قلت له : ما المحصن رحمك الله؟ قال : من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (٢).

هذه دليل شرط التمكن من الدخول بها ، وهي تدل على اشتراط الحضور أيضا.

مع حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ، ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم ويضرب حدّ الزاني ، قال : وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة (حرّة ـ ئل ـ كا) في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن؟ قال : يجلد الحدّ (عليه الجلد خ ـ ل ئل كا) ، ويدرأ عنه الرجم (٣).

ورواية ربيع الأصم ، عن الحارث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجورا وهو ب (في خ ـ ل) الحجاز؟ فقال : يضرب حدّ الزاني مائة جلدة ولا يرجم قلت : فان كان معها في بلدة واحدة وهو محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها ولا تدخل هي عليه ، أرأيت ان زنا في السجن؟ فقال : هو بمنزلة الغائب عنه أهله يجلد مائة جلدة (٤).

ويفهم من الكلّ أنّ المدار التمكن من فرج ، والوصول إليه متعة كانت أو ملك يمين ، فيمكن نفي المتعة فيما مرّ ، في المتعة التي كان زمانها قليلة كما أشعر به العلّة ، فتأمّل فيه.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥١.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٥.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٦.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وتدل على انّ الحبس مثل الغيبة.

والظاهر أن لا حدّ للغيبة ، بل العرف (١) ، والتمكن من الوصول إليه بسهولة كلما أراد.

ويحتمل الوصول إليه غدوة وعشيّة.

وفي بعض الروايات ما يدلّ على أنّ كون البعد مقدار مسافة القصر ، مسقط للرجم.

مثل رواية محمّد بن الحسين رفعه ، قال : الحدّ في السفر الذي إن زنى لم يرجم ان كان محصنا؟ قال : إذا قصّر فأفطر (٢).

والقصور في اللفظ والسند والدلالة ، ظاهر.

ورواية عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كانت له زوجة وهو غائب عنها؟ قال لا يرجم الغائب عن اهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة ، قلت : ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال : إذا قصّر وأفطر فليس بمحصن (٣).

وفي سنده عبد الرحمن بن حماد (٤) ، وهو مجهول.

ويمكن تأويلها أيضا ، ودلالتها أيضا قاصرة.

وفيها أيضا دلالة على نفي حصول الإحصان بالمتعة.

وبالجملة ، الرجم حدّ غليظ مخالف لظاهر نصّ الكتاب ، فانّ المتبادر من

__________________

(١) يعنى ان حدّه صدق الغيبة في العرف.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٦.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب حدّ الزنا ج ١٨ ص ٣٥٦.

(٤) سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن عمر بن يزيد.

٢٠