مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني) انه إذا كان يطالب بتفسير الالف ويقبل منه التفسير الصحيح على تقدير جواز المنفصل ودعواه ذلك بقوله : (أردت الانفصال) ـ فلا ينبغي الحكم أوّلا بأن الجميع دراهم لاحتمال الانفصال المجوّز مجازا والضابطة والأصل والاحتياط تقتضي عدم الإلزام ، بل الاستفسار إذا أمكن والا فعدم الحكم ـ بكون الكل دراهم ـ لاحتمال ارادته المجاز ، ولو قيل بأنه بعيد نادر لما تقدم غير مرّة وانه مقتضى الضابطة.

وبالجملة لو كان المنفصل جائزا والتفسير مقبولا ، لا ينبغي ان يكون ذلك موقوفا على دعواه الانفصال كما مرّ في أمثاله ، فعبارة الكتاب غير جيّدة ، ولهذا قال في القواعد : فان سوغنا المنفصل طولب بالتفسير والّا فالجميع دراهم ، وما قيّده بقوله : لو قال : (أردت الانفصال).

(الثالث) انه على تقدير عدم تسويغ الانفصال وكونه متّصلا قطعا بتقدير القيمة ونحوها ، لا يتعيّن كون الكلّ درهما في قوله : (له علي ألف إلّا درهما) لانه قد يكون الألف كلّها حبّات الحنطة مع الدرهم ، والظاهر انه حينئذ يصحّ الاتصال مع عدم (لزوم خ) كون الكل درهما.

قال الشيخ الرضي : إنّ المتصل ما دخل في المستثنى منه قبل (الّا) لفظا أو تقديرا ، والمنفصل ما خرج قبله (الى قوله) : فقد تبيّن أنّ المتصل ليس المستثنى من الجنس.

وأيضا يحتاج الى تعيين قيمة الثوب ، فان فسّر بما بقي ، والّا بطل إلخ ما قالوا في جواز المنفصل.

فقول القواعد ونحوه : (فان منعنا المنفصل وجبت الألف والا طولب بذكر قيمة الثوب) ، غير ظاهر (في المطلوب خ) على ان الوجوب غير ظاهر لاحتمال المنفصل مجازا الّا ان يمنع ذلك أيضا ، وهو بعيد ، على انه للمقر ان يقول : تكلّمت على مذهب المجوّز أو اعتقدت الجواز والمتصل بإضمار القيمة لتخرج عن اللغويّة.

٤٨١

ولو قال : ألفا إلا شيئا طولب بتفسيرهما ويقبل مع عدم الاستغراق.

______________________________________________________

الرابع) انه لا يصحّ المتصل بمجرد تقدير القيمة في المستثنى ، بل لا بدّ من جعلها دراهم وتقدير القيمة في المستثنى أيضا في قوله : (له علي إبل إلا شاة) فيصير المقرّ به قيمة الإبل ، تأمّل.

والكل ظاهر ، وهيّن إلا الأوّل (١) فإنه يلزم خفاء هذه القاعدة ومعنى (الّا) للمنفصل على قول العلماء ، وهو بعيد جدا.

والذي يمكننا ان نقول : انه على تقدير عدم جواز الانفصال فالحمل على القيمة والإخراج ظاهر ، واما إذا جوز المنفصل فينبغي ان يفعل ذلك أيضا للضابطة والأصل وان صار متصلا مع كونه محتاجا إلى الإضمار المخالف للأصل لرجحان الحقيقة كما نقلنا عن العضدي ، ونقل في شرح القواعد ان علماء الأمصار ، قالوا : بتقدير القيمة وان جاز الانفصال الا ان يقول المقرّ : أردت الانفصال فلا يخرج شي‌ء أصلا ويحتاج الألف إلى التفسير أو يقال : إن مرادهم انه قال بالانفصال مع قوله بإرادة الإخراج تجوزا فتأمل.

وهذا غاية ما أمكنني ، نسأل الله التوفيق على حلّ المشكلات والمشتبهات انه وليّ التوفيق.

ولعله (٢) فهم الكتاب الى قوله : (ولو قال ألف ، إلّا شيئا آه.

قد علم وجه الاستفسار وقبول قوله في الألف والشي‌ء بشرط بقاء شي‌ء صالح في الألف المفسّر بعد إخراج الشي‌ء المفسّر عنه وبطلان التفسير أو الاستثناء على تقدير الاستغراق وهو ظاهر.

__________________

(١) كل هذه الإشكالات الأربعة هيّن يمكن الجواب عنها أو التزامها الا الإشكال الأوّل وهو قوله : انهم مهدوا هذه القاعدة إلخ.

(٢) يعني لعله بالبيانات المتقدمة فهم عبارة الكتاب يعني المتن الى قوله : ولو قال إلخ.

٤٨٢

ولو عقب الجملتين بالاستثناء رجع الى الأخيرة الّا ان يقصد عوده إليهما.

______________________________________________________

قوله : «ولو عقّب الجملتين بالاستثناء إلخ» هذه مسألة أصوليّة محرّرة هناك.

والتحقيق الذي اختاره الأكثر ، رجوعه إلى الأخيرة لأصل عدم القيد وعدم إخراج ما تكلّم به عن مقتضاه ، وحمل اللفظ على ما يقتضيه ظاهر الّا مع تحقق ما يدل على الخروج عنه وقصد خلافه ، ولما تحقق رجوعه إلى الأخيرة يقينا لعدم اللغو ، وللإجماع ما بقي غيرها على ظاهرها.

واعلم ان النزاع في الجمل ومع عدم قصد رجوعه إليها أو الأخيرة بنصب قرينة دالّة على العموم والخصوص ، واليه أشار بقوله : الّا يقصد آه.

ومع إمكان رجوعه الى الجميع.

وان القائل الذي يقول برجوعه الى الجميع انما يقول برجوعه الى كل واحد واحد ، لا بمعنى جعل المجموع أو بعضها مركّبا فيرجع إليه ، لأن النزاع في رجوعه الى كلام سابق مستقلّ بوجود يصحّ تعلّق الاستثناء اليه لا جعل المجموع أمرا وكلاما باعتبار ثم الإرجاع اليه وهو ظاهر ومصرّح به في موضعه.

وانه لا نزاع في رجوعه إلى الأخيرة فإنه متفق الكلّ ، سواء قيل برجوعه الى الجميع اي كونه حقيقة فيهما ، وهو قول الشافعيّة أو الأخيرة فقط اي كونه حقيقة فيها فقط ، ومجازا ان رجع الى الجميع ، وهو مذهب العلّامة رحمه الله وأبي حنيفة أو بالاشتراك كالسيد المرتضى قدّس سرّه أو القول بالوقف كالغزّالي بمعنى ما يدري كونه حقيقة فيهما أو الأخيرة فقط ومجاز في الباقي فلا نزاع بين الكلّ في وجوب العمل والحكم برجوعه إلى الأخيرة.

لكن الشافعيّة والحنفيّة يقولون : مستعمل حقيقة ، والأوّل يقول في الأولى أيضا وينفيه الثاني.

٤٨٣

ولو قال : له درهم ودرهم إلّا درهما بطل الاستثناء وان ردّه إليهما.

______________________________________________________

والسيّد والغزّالي يقولان أيضا : انه راجع الى الأخيرة ، ولكن أبو حنيفة يقول : غير راجع الى الأولى حينئذ ، لأنه ظاهر في الأخيرة فقط وظاهر في عدم رجوعه إلى الأوّل ، وهما يقولان ، لأنه غير ظاهر في عدم الرجوع إليها ولا في الرجوع.

وأنت إذا تأمّلت ما ذكرته ، عرفت حقيقة المسألة الأصوليّة والعمل بها وما يتفرع عليها من الفروع والحكم والنظر فيما فرعوا عليها بعض الفقهاء ، مثل قولهم في مثل قوله : (وله علي درهم ودرهم الّا درهما) بطل الاستثناء وان ردّه إليهما.

وجهه ظاهر (أمّا) على القول برجوعه إلى الأخيرة فقط وكونه حقيقة فيها ، فللاستغراق الواضح (وأمّا) إليهما فلما علمت أنّ مراد القائل به هو الرجوع الى كل واحد ، ولا شكّ أنه مستغرق لكل واحد واحد أو انه لا بدّ لإرجاع المستثنى الى كل واحد بأن يأخذ من كل واحد شيئا ، وهنا ليس كذلك إلا بالتأويل الذي ذكره الشهيد والشيخ علي (١) ، واليه أشار بقوله (٢) : (وان رده إليهما) وكذا بقوله في القواعد : لو قال : درهم ودرهم الّا درهما قيل : ان حكم بعوده إلى الأخيرة بطل والّا صحّ وليس بمعتمد (٣).

والظاهر أن معناه باطل مطلقا فيلزم الدرهمان ، واختاره في المختلف ، إذ لا ينبغي الاستثناء من درهم ودرهم فإنه بمنزلة زيد وعمرو الا عمرو.

فتأمل فإن معناه ان قلنا : انه راجع إليهما أو كان المقرّ قائلا به وعمل بمذهبه أو صرّح به أو وضع قرينة دالّة على ان مراده الرجوع إليهما الّا ان يصرّح ان

__________________

(١) يعني به المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي شارح القواعد قده.

(٢) يعني المصنف ره هنا.

(٣) الى هنا عبارة القواعد.

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مراده الرجوع إليهما معا أو فهم ذلك وان كان بعيدا ، فالظاهر انه حينئذ يكفي عدم ظهور قصد خلاف ما يصحح (يصحّ خ) رجوعه إليهما معا لا بناء على هذه القاعدة بل بناء على ما مرّ من الضابطة والأصل والخروج عن اللغويّة.

واحتمال ارادة هذا المعنى وان كان بعيدا أو خارجا عن قوانين العربيّة ظاهر لإمكان ذلك وتصحيحه في الجملة بتأويل مّا كما تقدم في أمثاله مثل (إلّا أربعة) بعد قوله : (الا واحد ، الا اثنين ، إلا ثلاثة ، إلا أربعة).

ومثل ما قيل (١) من عدم الإقرار إذا قال : (ماله علي عشرة إلا تسعة) منصوبا ، ولهذا قال ابن الحاجب برجوع الاستثناء الى الجميع في مثله ، وادّعى العضدي الاتفاق عليه حيث قال : قالوا : خامسا ، لو قال : علي خمسة وخمسة إلا ستة لكان الجميع اتفاقا.

قال : الجواب (أوّلا) انه غير محلّ النزاع ، لان كلامنا في الجمل وهذه مفردات. (وثانيا) انه انما رجع الى الجميع ليستقيم ، إذ لو رجع الى الأخيرة لم يستقم. (وثالثا) مدعاكم الرجوع الى كل واحد الى الجميع.

والحقّ ان النزاع فيما يصلح للجميع وللأخيرة ، وهذا ليس منه (٢).

وأنت تعلم ما فيها لأنها جمل ، وان قوله : (والحق) راجع الى كلام المصنف وهو الذي فسّره بقوله : (وثانيا) فما بقي له هنا كلام ، وان الاتفاق ممنوع ، وكذا القياس فذلك ان صحّ لا ينافي قول المصنف رحمه الله ، فان الظاهر ان مراده ، بناء على القوانين ومن تكلّم عليها ومراده (بردّه إليهما) الى كل واحد واحد كما هو محلّ النزاع ، لما مرّ فتأمّل.

__________________

(١) الظاهر ان المراد ان ما قيل وان كان بعيدا أيضا لكنه ممكن ويمكن تصحيحه ، والله العالم.

(٢) الظاهر كون هذا آخر كلام العضدي.

٤٨٥

ويبطل الاستثناء المستوعب

______________________________________________________

واما قول المحشي : ويمكن إطلاق اسم الدرهم على بعضه مجازا فيكون مراده من قوله : (درهم ودرهم) نصف كلّ منهما فيصحّ الاستثناء مطلقا ويعود الى الجميع للقرينة كما يعود الاستثناء (المستثنى خ) الثاني إلى المستثنى منه إذا كان مستغرقا للاستثناء الأوّل وهذا هو الأصحّ.

فمحلّ التأمّل لبعد إطلاق نصف الدرهم على الدرهم وفتح (١) ، مثله وسماعه أو شك أن يسدّ أبواب الإقرار.

على انه ينبغي ان نقول : بكون رجوع الدرهم المستثنى إليهما واستثنائه منهما باعتبار النصف ، فكأنه قال المقرّ : (الا نصف درهم منهما) بان يكون المستثنى مركّبا من نصف استثني من الأوّل ومن نصف استثني من الثاني ، فيلزم درهم واحد كما قاله في الدروس.

ويصح الاستثناء مطلقا ، سواء قلنا برجوعه إليهما حقيقة أو الى الأخيرة فقط ، لكن مع عدم القرينة وهنا قرينة فيكون راجعا الى المجموع المركب لتعذر رجوعه إلى الأخيرة والى كلّ واحد واحد للأصل والضابطة وعدم الحمل على اللغو كما في الاستثناء المستغرق لما يليه ك (الّا واحدا الّا اثنين إلّا ثلاثة) ، وان يرد عليه ان ذلك قاعدة مقررة ، وليس هذا مثله ، ولكن لا يضرّ ، لأنه مؤيّد ، وغيره يكفي لما قدمناه فتأمّل.

فما ذكره غير واضح ، وكذا ما ذكر ـ انه مبني على اعتبار العود الى الجملتين أو الأخيرة ، إذ قد عرفت ما فيه ، من تحرير محلّ النزاع وكلام العضدي فتأمل.

قوله : «ويبطل الاستثناء المستوعب» هذه القاعدة الثالثة المذكورة هنا

__________________

(١) يعني فتح باب مثل هذه الاحتمالات من إطلاق نصف الدرهم على الدرهم موجب لسد أبواب الإقرار.

٤٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أولها الاستثناء من الجنس حقيقة آه والثانية رجوع الاستثناء إلى الأخيرة بعد الجمل المتعددة ، والكل ظاهر بحمد الله ، وان كانت الفروعات الكثيرة عليها في الكتب واضحة ، ويتضح بالتأمل واعمال القوانين مع قطع النظر عمّا قيل فيها فمشكل ، فاستفهم الله يفهمك.

٤٨٧

«المقصد السابع في الوكالة»

وفيه مطلبان (الأوّل) في أركانها :

______________________________________________________

قوله : «المقصد السابع في الوكالة إلخ»

ترك تعريف الوكالة لظهوره ، قال في التذكرة : الوكالة عقد شرّع للاستنابة في التصرف ، وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع ، بل بالعقل أيضا (١).

(اما الأول) (٢) فمثل قوله تعالى «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) الآية» (٣) (وأما الثاني) (٤) فكثير من طرقهم مثل رواية عروة بن سعيد البارقي ،

__________________

(١) إلى هنا عين عبارة التذكرة واما الأول إلى آخر حديث فالظاهر اقتباس الشارح قده من عبارة التذكرة لاختلاف عبارته قده مع عبارة التذكرة (فراجع ج ٢ المقصد السادس في الوكالة).

(٢) في التذكرة : أما الكتاب فقوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها» ، فجوّز العمل وذلك بحكم النيابة عن المستحقين ، وقوله تعالى «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ» ، وهذه وكالة وقوله تعالى «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً» وهذه وكالة.

(٣) الكهف ـ ١٩.

(٤) في التذكرة : واما السنة فما روى العامّة عن جابر بن عبد الله قال : أردت الخروج الى خيبر فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وقلت له : اني أريد الخروج الى خيبر ، فقال : إذا لقيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فان ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته وروي انه صلّى الله عليه وآله وكلّ عمرو بن أميّة الضميري في قبول

٤٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال عرض للنبيّ صلّى الله عليه وآله جلب (١) فأعطاني دينارا ، وقال : يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة قال : فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما وأقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعث منه شاة بدينار وأتيت النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم ، وهذه شاتكم ، وقال : وضعت كيف؟ فحدثته الحديث فقال : اللهمّ بارك في صفقة يمينه (٢).

وهذه تدل على اشتراط صيغة خاصّة وعدم القبول لفظا كما قاله الأصحاب ، وقالوا أيضا : هذه تدل على جواز الفضولي بيعا وشراء.

وفيه تأمّل ، لأن الفضولي خلاف الأصل وظاهر الآية والحديث من لزوم تجارة عن تراض.

وهذه غير صحيحة ، لأنها منقولة من طرق العامّة وليس بمعلوم صحته بذلك الطريق أيضا فكيف من طرقنا ، ولا صريحة لجواز كون البارقي وكيلا على سبيل العموم وكلّه قبل هذا.

وأيضا يحتمل ان يكون فهم منه صلّى الله عليه وآله الرضا بما فعل بيعا وشراء ، وانه إذا وكّل بشراء واحد بدينار ، فيلزم الرضا بشراء الضعف بذلك ، ولأنه قال : اشتر لنا شاتا وما قال : (واحدة) وقد فهم العروة الأعم ، ولأنه إذا عرض على كلّ عاقل وكّل في شراء شي‌ء بشي‌ء فشراه ضعفه بذلك ، رضي به إذا لم يظهر مانع ،

__________________

نكاح أم حبيب بنت أبي سفيان ووكّل أبا رافع في نكاح ميمونة وروى عروة بن الجعد البارقي ، قال : عرض للنبيّ صلّى الله عليه وآله فأعطاني إلخ.

(١) والجلب بفتحتين ما يجلب من بلد الى بلد (مجمع البحرين).

(٢) لم نعثر عليه بهذا التفصيل الى الآن نعم نقله إجمالا في عوالي اللآلي ج ٣ ص ٢٥ فراجعه ولاحظ ما علّق عليه ، نعم نقله الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في أواخر كتاب الوكالة من الخلاف مسألة ٢٢ مع اختلاف يسير في ألفاظه.

٤٨٩

وهي أربعة (الأوّل) الموكّل.

______________________________________________________

وكذا بيع نصف بعد الشراء بذلك الثمن.

وبالجملة لا يمكن القول بجواز الفضولي بهذه مع ما تقدم ، وقد تقدم البحث في ذلك في التجارة ، فتذكّر.

ومن طرقنا أيضا كثيرة ، مثل ما سيأتي في أحكام الوكالة في شرح قوله : (والوكالة جائزة من الطرفين آه) ، مثل ما في صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) : ان الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة (يبلغه خ ئل) أو مشافهة (يشافهه ـ يشافه ئل) (بالعزل ئل) عن الوكالة (١).

(وأما الثالث) فقال في التذكرة : فقد أجمعت الأمة في جميع الأعصار والأمصار على جواز الوكالة في الجملة.

(وأما الرابع) فلان شدة الحاجة الى الوكالة ظاهرة ، إذ لا يمكن لكل أحد مباشرة جميع ما يحتاج اليه من الافعال (٢) ، وهو ظاهر.

«وأمّا أركانها الأربعة»

(فالأوّل) الموكّل ، وأشار الى شروطه المعتبرة في صحّة توكيله وصيرورته موكّلا مع قطع النظر عن باقي الأركان بقوله : (وشرطه ان يملك مباشرة ذلك التصرف آه).

قد ظهر مما تقدم وجه اشتراط تملك الموكّل مباشرة ما يوكّل فيه من الأفعال إما بحق الملكيّة كالمالك أو الولاية كالجدّ والأب والوصي أيضا إذا كان وصيّا على

__________________

(١) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٦.

(٢) وزاد في التذكرة : فدعت الضرورة إلى الاستنابة فكانت مشروعة (انتهى).

٤٩٠

وشرطه ان يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية.

______________________________________________________

الأطفال ، فإن له ولاية كولاية الموصى والأبوين ، ولكن ذلك في الوصي في إخراج الحقوق أيضا ، لأنه يحصل له ولاية أيضا كولاية الموصى ، فإن معنى وصيته إليه في الإخراج ، جعله كنفسه في ذلك الأمر.

قال في التذكرة : يجوز للوصي ان يوكّل وان لم يفوض الموصى ، إليه ذلك بالنصوصيّة لأنه يتصرف بالولاية كالأب والجدّ لكن لو منعه الموصى من التوكيل وجب ان يتولى بنفسه ، وليس له أن يوكّل حينئذ لقوله تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ) الآية» (١) ويجوز للحاكم ان يوكّل عن السفهاء والمجانين والصبيان من يتولّى الحكومة عنهم ويستوفي حقوقهم ويبيع عنهم ويشتري لهم ولا نعلم فيه خلافا (٢).

والظاهر ان مراده بالوصي وصيّ الأطفال ، ويحتمل العموم فتأمّل ، بل في وكيل الوكيل أيضا ان جوز ذلك ، سواء كان مفهوما من توكيله في الأمور الكثيرة التي لا يمكن فعلها له بنفسه أو من حيث توكيله في أمور لا بدّ فيها من أشياء لا تفعل ذلك عرفا الّا غيره ، مثل الحمل والكيل والوزن أو صرّح له بذلك.

فقول التذكرة : (فإذا جعلناه وكيلا للوكيل لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل مالكا للتصرف بحق الملكيّة أو الولاية) محلّ التأمل ، إذ بعد تجويز الوكيل للوكيل بأمر الموكّل صار له ولاية ذلك كما للموكّل.

ويؤيده ما قال في موضع آخر منها : (ويخرج عنه توكيل الوكيل ، لأنه ليس بمالك ولا وليّ وانما يتصرف بالاذن ، نعم لو مكّنه الموكّل من التوكيل لفظا أو دلت عليه قرينة نفذ).

وكذا تأمّل ، في قوله : (والعبد المأذون ليس له ان يوكّل فيما اذن له ، لأنه إنما يتصرف بالاذن ، وكذا العامل في المضاربة إنما يتصرف عن الاذن لا بحق الملك

__________________

(١) البقرة ـ ١٨١.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

 

٤٩١

فلا يصح توكيل الصبي ، والمجنون ، والمحجور عليه في المال والعبد.

______________________________________________________

ولا الولاية ، فتأمل.

قوله : «فلا يصحّ توكيل الصبي إلخ» وجه التفريع واضح ، لأنه قد علم أنّ الصبي والمجنون حال صبوته وجنونه لا يمضى تصرّفهما ، ولا اعتبار به وتوكيلهما بالطريق الأولى ، بل توكيلهما تصرّف وقد ثبت عدم صحته ، وكذا المحجور عليه في المال ، والعبد الّا ان يأذن له المولى.

ولكن قد مرّ البحث في الصبي المميّز واحتمال صحّة تصرفه مع الاذن وفي المعروف ، فلو جاز ذلك له ، يجوز له التوكيل كما مضى في الإقرار أنه إذا كان له ذلك قبل إقراره فيه.

قال في التذكرة : فلا يصحّ للصبي ، ولا للمجنون ، ولا للنائم ، ولا للمغمى عليه ، ولا الساهي ، ولا الغافل ، أن يوكّلوا ، سواء كان الصبيّ مميزا أولا ، وسواء كانت الوكالة في المعروف أولا ، وعلى الرواية المقتضية لجواز تصرف المميّز (١) أو من بلغ خمسة أشبار (٢) في المعروف ووصيته ، ينبغي القول بجواز توكيله ، وكذا لو وكل المجنون حال جنونه ، ولو وكل حال إفاقته صحّت الوكالة لكن لو طرأ الجنون بطلت الوكالة (٣).

__________________

(١) لعله قدس سره ناظر الى ما رواه سليمان بن حفص المروزي عن الرجل عليه السلام قال : إذا تم للغلام ثمان سنين فجائز أمره وقد وجبت عليه الفرائض والحدود وإذا تم للجارية تسع سنين فكذلك (الوسائل باب ٢٨ حديث ١٣ من أبواب حدّ السرقة ج ١٨ ص ٥٢٦).

(٢) عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضي بالدية ـ الوسائل باب ٣٦ حديث ١ من كتاب القصاص ج ١٩ ص ٦٦.

(٣) الى هنا عبارة التذكرة.

٤٩٢

ولو وكل العبد في الطلاق والمحجور عليه للفلس والسفه فيما لهما فعله صحّ.

______________________________________________________

لعل دليل بطلانها بطريان الجنون والإغماء أو الحجر عما وكّل فيه ، أنه حينئذ لا يصحّ منه بنفسه ، فمن وكيله بالطريق الاولى كما في الموت ، وقد مرّ أنّ من شرائط الموكّل تملكه فعل ما وكّل فيه ، ولا شك انه حينئذ ليس بمالك له عقلا أو نقلا إجماعا.

هذا مؤيد لما سيجي‌ء من ثبوت العزل بمجرد عزله وان لم يعلم الوكيل فافهم ، ولكنه (١) منقوض بالنوم ، فكأنّ دليلهم ، الإجماع ، وهو الفارق ، وما أعرفه ، فتأمل.

قوله : «ولو وكّل العبد في الطلاق إلخ» قد علم ان سبب عدم صحّة توكيل العبد والمحجور عليه فيما حجر عليه ، هو عدم صحّة تصرفهما فيما وكّلا فيه ، فلو وكّلا فيما لهما التصرف فيه ، فهو صحيح وماض ، مثل ان يوكّل العبد في طلاق امرأته فإن له ذلك ، إذ له ان يطلّق بنفسه ، سواء منعه المولى أم لا.

والظاهر انه لا خلاف في ذلك ، والأصل أيضا يقتضيه ، وكذا رواية : (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (٢). وان كان للمولى جبره بالنكاح فلا منافاة ، بل يزوّجه المولى بغير اذنه وان أراد هو يطلّق ، وهكذا فتأمّل.

وقال في التذكرة أيضا : وللمحجور عليه بالفلس والسفه أو الرق ، ان يوكّلوا فيما لهم ، الاستقلال حيث شاءوا من التصرفات ، فيصحّ من العبد ان يوكّل فيما يملكه من دون اذن سيده كالطلاق والخلع وطلب القصاص ، والمفلس ، له التوكيل

__________________

(١) استدراك من قوله قده : لعلّ دليل بطلانها بطريان الجنون إلخ فلا تغفل.

(٢) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٣٤ رقم ١٣٧ ولاحظ ما علّق عليه ولاحظ الوسائل باب ٤٢ ج ١٥ ص ٣٤٠ وباب ٣٦ حديث ٥ و ٦ ص ٣٣٧ من كتاب الطلاق تجد ما هو بمضمونه.

٤٩٣

وللأب والجدّ له ان يوكلا عن الصبي ، وكذا الوصي.

وليس للوكيل ان يوكل الا بالإذن الصريح أو القرينة.

______________________________________________________

في الطلاق والخلع وطلب القصاص والنكاح والمعاملة بغير عين المال والتصرف في نفسه فإنه يملك ذلك ، واما ماله فلا يملك التصرف فيه.

واما ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرف فيه فيجوز مع اذن الولي والمولى.

وهو صريح في جواز التوكيل لهم بعد الإذن فينبغي إدخالهما في الولاية أو الملك بتصرّف مّا وهو ظاهر وحتى لا يرد عليه ما أورده على توكيل الوكيل من قوله : (فإذا جعلناه وكيلا للوكيل آه). كما نقلناه عنه فيما تقدم ، وأيضا صريح في جواز توكيله (توكيل خ) السفيه مع اذن الوليّ.

وفيه تأمّل فإنه بمنزلة المجنون والصبي وقد منعنا عنه ، وما اعتبر بإيقاعه بحصول الولي أيضا وبرضاه لعدم الاعتداد بعبارته وان كان ذلك محل التأمل عندي كما تقدم.

قوله : «وللأب والجدّ له إلخ» وقد مرّ بيانه ، ولعلّه لا خلاف فيه ، وكأنه يريد بالوصي ، الوصي على الأولاد ، لأن له ولاية كالأب والجدّ ، ويحتمل العامّ فإن الوصي في الإخراج بعد موت الموصى مثله فيتصرف بالولاية لا بالإذن ، إذ لا اذن بعد الموت ، بل ولا وكالة ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الوكيل.

قوله : «وليس للوكيل أن يوكّل الا بالإذن الصريح أو القرينة» سبب عدم إمضاء توكيله ، الأصل والاستصحاب فان التصرف في الأمور المتعلّقة بالغير لا يمكن إلا بإذنه عقلا ونقلا والاذن ما حصل له الا بالفرض ، ولأنه ما صدر من الموكّل الا ما يفهم منه الاذن له بالتصرف فقط وما فهم الاذن لغيره بالتصرف.

نعم لو فهم ذلك ولو بالقرائن يجوز له ذلك ، مثل ما أشرنا إليه بل ولو بالعلم بأنّ غرضه فعل هذا الأمر من ايّ مباشر كان ، ولا غرض له بفعل الوكيل خاصّة كما إذا قيل : بع في السوق الفلاني وعلم ان لا غرض له بالخصوص ، بل انما قيد

٤٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لظنه انه لا يباع بما يريد الا هناك ، وإذا علم ذلك وحصل المشتري في غيره يبيعه.

وكذا لو قال : حجّ بالطريق الفلاني ، بل حج الافراد مثلا وعلم ان غرضه الأفضل الا انه تخيّل أنه الأفضل فيجوز العدول عنه الى التمتع ، والى غير ذلك الطريق وقد مرّ في كتاب الحجّ ، فتذكر (١).

قال في التذكرة : إذا صرّح له بالتوكيل يصحّ إجماعا ، وإذا منع لا يصح إجماعا ، وإذا كان خاليا عنهما ، فان كان للتوكيل في أمر وعمل حال الوكيل مرتفع عن مثله ، مثل ان يوكّل شريفا مرتفعا في البيع والشراء والفرض انه مرتفع لم يبتذل بالتصرف في الأسواق وكان عملا يعجز عنه لكونه لا يعلم ذلك ولا يقدر عليه لكثرته ولم تمكنه الكل لكثرتها.

فادعى الإجماع في الأول على جوازه حينئذ أيضا ، قال في الأخير : ولا نعلم فيه مخالفا وله ان يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان ، وفي قدر الإمكان اشكال أقربه ذلك أيضا ، لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه فجازت في جميعه وقد يمنع ذلك ، لان حصول الاذن في التوكيل هناك للعجز فلا يتعداه (٢) فتأمّل.

واما ما عدا ما تقدّم ـ وهو ما أمكنه فعله بنفسه ولا يرتفع عنه عادته ـ فلا يجوز له ان يوكّل فيه الّا بإذن الموكّل ، لأنه لم يأذن له ولا فهم منه اذنه ، فلا يجوز كما لو منعه.

ثم قال (٣) : إذا وكّله بتصرّف ، وقال له : افعل ما شئت لم يقتض ذلك ، الاذن في التوكيل ، لأن التوكيل يقتضي تصرّفا يتولّاه بنفسه وقوله : اصنع ما شئت

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة نقلا بالمعنى وقد لخصّ قدّس سرّه عبارة التذكرة فلاحظ البحث الثاني من التذكرة من قوله ره : مسألة ، التوكيل على أقسام ثلاثة إلخ.

(٢) يعني في التذكرة ، وكذا ما ينقله بعده من قوله ثم قال ، ثم قال.

٤٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقتضي التوكيل ، بل يرجع الى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ، وهو أصحّ قولي الشافعي ، وفي الثاني ، ان له التوكيل ، وبه قال أحمد واختاره الشيخ في الخلاف انه أطلق الإذن بلفظ يقتضي العموم في جميع ما شاء فيدخل في عمومه ، التوكيل وهو ممنوع (١).

وقول الشيخ ليس ببعيد ، إذ جملة (ما شاء) هو التوكيل ، وأيضا لو لم يشمل ذلك لم يفد شيئا ، إذ بدون هذا القول يعمل ما يريد بقوله : (طلق امرأتي) فحصر (ما شئت) في فعلك بنفسك خروج عن عمومه الا ان يكون اللفظ ظاهرا في ذلك.

وبالجملة ، انما المعتبر ما يفهم من كلامه عرفا أو يكون عند الوكيل لمعاشرته به قرائن يعرف بها مقصودة فيفعل ما يفهم.

ثم قال : كلّ وكيل جاز له التوكيل فليس له ان يوكّل الّا أمينا ، لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل من ليس بأمين فينفذ جواز التوكيل فيما فيه الحظّ والنظر ، كما ان الاذن في البيع يقتضي الإذن بثمن المثل الّا ان يعيّن له الموكّل فيجوز ، سواء كان أمينا أو لم يكن ، اقتصارا على ما نصّ عليه المالك (الى قوله (٢)) ولو وكّل أمينا فصار خائنا ، فعليه عزله ، لان تركه يتصرّف في المال مع خيانته ، تضييع وتفريط آه (٣).

وكأنه يريد ب (الأمين) العدل.

دليل الحصر غير ظاهر ، وقوله : (لانه آه) في مرتبة المدّعي (٤) ، على انه قد

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) ولأن المالك قطع نظره بتعيينه ولو وكّل إلخ.

(٣) على المالك ، والوكالة تقتضي استيمان أمين ، وهذا ليس بأمين فوجب عزله وللشافعية وجهان في انه هل له عزله؟ (انتهى).

(٤) مبنيا للمفعول يريد ان قوله : لانه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين بيان عين المدّعى وهو قوله ليس له ان يوكل الا أمينا.

٤٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون ممّن يوثق به من جهة الأمانة في المال وفيما وكلّ فيه بحيث يعلم عدم خيانته فيه مع عدم العدالة والاستيمان المتعارف شرعا ونجد من (في خ) الناس أمثاله ، بل في الكفّار ، على ما يحكمون الآن في الهند وغيره ، ويفهم من قوله : «ومِنْهُم (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ» (١) ، الا ان يريد من الأمين ما قلناه.

ولعل ترك ذكر العلامة والاكتفاء ب (الأمين) لذلك.

قيل : ان العدالة الموجودة في بعض العبارات بهذا المعنى ، وانه مسامحة ، إذ لا دخل هنا لأكثر من الأمانة فيما وكّل فيه ولا يضرّ عدم عدالته خصوصا إذا كان ترك (بترك خ) مروّة ، مثل كشف رأسه في المجلس ، فليس ببعيد اشتراط من يوثق بأنه لا يخون فيما وكّل فيه ، ولأنه قد يكون التوكيل في إيقاع صيغة فقط من غير تصرف له في شي‌ء من المال.

كما أنّ الظاهر ان ذلك كاف في الوصيّ والاجراء في العبادات أيضا كما في بعض الروايات وعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ الآية» (٢) ، فإنه يدل على عدم تغيير الوصيّ وان كان غير عدل.

وأيضا ترك العدالة في الروايات ـ والإشارة إليها إلّا بالتوثيق في بعضها مثل صحيحة طويلة مشتملة على وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام (٣) ـ يشعر بعدم اشتراط العدالة.

__________________

(١) آل عمران ـ ٥٧ والآية (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ) إلخ.

(٢) البقرة ـ ١٨١.

(٣) الظاهر كونه إشارة إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : بعث اليّ أبو الحسن عليه السلام بوصيّة أمير المؤمنين وهي بسم الله الرحمن الرحيم (الى ان قال) : فان وجد فيهم (يعني في بني علي) من يرضى بهداه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله اليه ان شاء الحديث ـ الكافي ج ٢ ص ٢٤٩ كتاب الوصايا باب صدقات النبيّ وفاطمة إلخ.

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا حكمهم بإجراء الوصايا من غير استفسار أن الوصيّ كان عدلا أم لا ، وكذا وكيل الوكيل هل هو عدل أم لا.

ويؤيّده (١) أيضا جواز التوكيل من غير اشتراط العدالة في إيصال زكاة ونحوها الى المستحقين وما رأينا أحدا اشترط (شرط خ) ذلك الا انه يفهم ذلك من شرح القواعد في بحث الوكالة ، ولا شكّ انه أحوط.

وما يدل على جواز التوكيل يفيده بعمومه وعدم استفصاله.

وكذا ما يدل على الاعتماد بمن يعدّ له عدد الطواف (٢) والأشواط وعدد ركعات الصلاة (٣) فإنه غير مقيّد بالعدالة ، وترك التفصيل دليله.

وكذا رجوع الإمام إلى المأموم الواحد (٤) مع عدم اشتراط عدالته.

وكذا سماع قول من بيده شي‌ء : انه وكيل (٥) للبيع وانه اشتراه.

والزوجة بأنه خلصت عدّتها ومات زوجها أو طلّقها (٦) على ما سيأتي.

وقبول كريّة الماء من الحمّامي وتطهير الثياب ممن قال : طهرته وتكرار (تكرير خ) الماء (٧) ، وغير ذلك ولان قوله : (وكّل) شخصا ، أو من تريد ، ظاهر في تفويض الأمر إلى التوكيل وليس ما يخرجه من عمومه ويقيّده بالعدل ، فالتقييد

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٣٥ حديث ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ من أبواب المستحقين للزكاة ج ٦ ص ١٩٣ ـ ١٩٤ لكن في ١ و ٤ منه دلالة على اعتبار الوثوق فلاحظ.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٦٦ من أبواب الطواف ج ٩ ص ٤٧٦.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٣٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج ٥ ص ٣٤٧.

(٤) لاحظ الوسائل باب ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج ٥ ص ٣٣٨.

(٥) يمكن استفادته بالمراجعة إلى أحاديث باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم من الوسائل ج ١٨ ص ٢١٤.

(٦) لاحظ الوسائل باب ٢٥ من أبواب عقد النكاح ج ١٤ ص ٢٢٧.

(٧) لم نعثر عليه الى الآن من الأخبار فتتبع.

٤٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خلاف الظاهر ، بل لا يجوز الّا مع المقيّد ، ومجرد ما ذكره لا يكفي.

ولا يقاس على اقتضاء التوكيل في البيع والشراء بثمن المثل ، والصحيح ، والنقد إن سلّم ، للعرف أو الإجماع فإنهما دليلان وليسا بمعلومين فيما نحن فيه.

بل الظاهر خلافه حيث ان العدل الذي يتوكل نادر ، ولان الدليل في بعض ، عدم إمكان الوكالة ، فهو يفيد عدمه ، وكذا في وصي الوصي على تقدير جوازه.

فقياس اشتراط عدالة الوصي ووصيّه ، على وكيل الوكيل كما فعله البعض (١) محلّ التأمّل ، والاحتياط واضح لا يترك ما أمكن.

وأيضا الظاهر انه يريد بقوله (٢) : (فعليه عزله) أخذ ما صرفه فيه من تحت يده ان كان وعدم تصرفه إيّاه ، والا فهو معزول بعد الخيانة مع شرط عدمها.

وأيضا يريد بقوله : (فيجوز ، سواء كان أمينا أو لم يكن) أنه ان لم يعلم ان الموكّل انما عيّنه لاعتقاد أمانته فيه ، فتأمّل.

ثم قال : إذا اذن له ان يوكّل فأقسامه ثلاثة (الأوّل) ان يقول له : وكّل عن نفسك ففعل كان الثاني وكيلا للوكيل وينعزل بعزله (٣) لأنه نائبه وهو أحد قولي الشافعي. (والثاني) لا ينعزل لأن التوكيل فيما يتعلّق بحق الموكل ، حق الموكل ، وانما (٤) جعله وكيلا (موكلا خ) بالاذن فلا يرفعه الا الاذن ويجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل وجنونه والأصحّ ، الانعزال (٥).

__________________

(١) قال الشهيد الثاني في الروضة في مقام الاستدلال على اعتبار العدالة في الوصي : ما هذا لفظه : ولأنها (يعني الوكالة) استنابة الى الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل (انتهى) فلعله المراد من البعض.

(٢) يعني العلامة في التذكرة في العبارة المتقدمة وكذا بعيد ذلك يريد بقوله إلخ.

(٣) بعزل الأول إياه (التذكرة).

(٤) وانما حصّله بالاذن إلخ (التذكرة).

(٥) إلى هنا عبارة التذكرة.

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انهما ينعزلان معا بخروج الموكّل عن صلاحيّة التوكيل بالموت والجنون والحجر وينعزل الثاني أيضا بخروج الأول عنها على الأوّل ، وهو غير بعيد لانه متيقن جواز فعله قبل عزل الأول له ، بخلاف ما بعده ، فلا يجوز تصرفه ، ولأنه ما كان له التصرف إلا باذنه وعلم هذا وما علم غيره ، ولأن مقتضى العبارة كونه وكيلا للأوّل فينعزل بعزله (١) ، وكونه بحقه لا ينافيه ولا يقتضي ان يكون (٢) وكيلا له بالمعنى المراد ، ومع ذلك ، القول الثاني لا يخلو عن وجه فتأمل.

ثم قال (٣) : (الثاني) لو قال : وكّل عني فوكل عن الموكّل فالثاني وكيل للموكّل كما ان الأول وكيل للموكّل (٤). (الثالث) لو قال : وكلتك بكذا وأذنت لك في توكيل من شئت أو في ان توكّل وكيلا أو في ان توكّل فلانا ولم يقل (عنّى) ولا (عن نفسك) بل أطلق فللشافعيّة وجهان أحدهما أنّه كالصورة الأولى (الى قوله) : وأصحّهما عندهم أنه كالصورة الثانية ، وهو ان يكون وكيلا للموكّل لأنّ التوكيل تصرّف يتولاه باذن الموكّل فيقع عنه ، وإذا جوّزنا للوكيل أن يوكل في صورة سكوت الموكّل عنه فينبغي له ان يوكّل عن موكّله ، ولو وكّله عن نفسه فللشافعيّة وجهان آه (٥).

ولم يصرّح بفتواه في هذه الصورة ، ولا يبعد كون عدم ردّ دعواهم الأصحيّة ودليلها إشارة الى ان الثاني هو الأصحّ وهو الظاهر.

ويؤيده ما تقدّم من احتمال التوكيل عن الموكّل ودليله في صورة إذا قال :

__________________

(١) في عدة نسخ بدل قوله ره : (فينعزل بعزله) فيكون ذلك.

(٢) في عدّة نسخ : (ان لا يكون) بدل (ان يكون).

(٣) يعني في التذكرة.

(٤) وليس لأحدهما عزل الآخر ولا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا جنونه وانما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل فأيّهما عزل انعزل الثالث إلخ ج ٢ ص ١١٦.

(٥) الى هنا عبارة التذكرة وتمامها : لأن القرينة المجوّزة للتوكيل كالإذن في مطلق التوكيل (انتهى).

٥٠٠