خاصّ قبال الأدلّة الاخرى التي استدلّوا بها في المقام لإمكان نشوئه منها فلا بدّ من الرجوع إليها.
الوجه الثاني : بناء العقلاء وسيرتهم قديماً وحديثاً وفي كلّ عصر وزمان ومكان على الرجوع إلى أهل الخبرة ، وهذا أهمّ الوجوه في المقام.
لكن أُورد عليه إشكالات عديدة :
الأول : أنّ اللغوي ليس من أهل الخبرة ، أي أهل الرأي والاجتهاد بالنسبة إلى تشخيص المعاني الحقيقيّة عن المعاني المجازيّة ، وإن شئت قلت : ليس شأن اللغوي إلاّبيان موارد الاستعمال لا تعيين المعنى الحقيقي من بين المعاني التي يستعمل اللفظ فيها.
ويمكن الجواب عنه : بأنّ المهم في تعيين مراد المتكلّم هو تشخيص ظهور اللفظ كما مرّ ، ولا ريب في أنّ اللغوي يبيّن المعنى الظاهر للفظ سواء كان حقيقة أو مجازاً مشهوراً.
الثاني : ما اشير إليه في بعض كلمات المحقّق النائيني رحمهالله من أنّه يمكن أن يكون رجوع العقلاء إلى كتب اللغويين من جهة حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم في بعض الأحيان لا من جهة حصول الظن فقط وحجّية قولهم مطلقاً ، ولا إشكال في أنّ الاطمئنان منزّل منزلة العلم أو أنّه علم عرفي فيكون حجّة (١).
قلنا : الإنصاف أنّ رجوعهم إلى أهل الخبرة ليس متوقّفاً على حصول الاطمئنان كما في الرجوع إلى قول المجتهد فإنّ المقلّد مع الإلتفات إلى اختلاف آراء الفقهاء في كثير من الموارد التي لا يحصل الإطمئنان والوثوق فيها عادةً بقول المجتهد ـ مع ذلك لا يتوقّف عن الرجوع كما أنّه كذلك في باب القضاء ورجوع القضاة إلى المتخصّصين والعارفين بالموضوعات التي هي محلّ الدعوى كالغبن والتدليس وغيرهما ، مع أنّه لا يحصل لهم الاطمئنان بتشخيصهم في كثير من الأحيان.
الثالث : أنّ قول اللغوي من مصاديق خبر الواحد ، وحجّيته في الموضوعات منوطة بحصول شرائط الشهادة.
أقول : إنّ اللغوي من أهل الخبرة ، وحجّية أهل الخبرة لا تتوقّف على شرائط الشهادة كما في مرجع التقليد.
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ١٤٢ ، طبع جماعة المدرّسين.