ولقد أجاد المحقّق الطوسي رحمهالله حيث قال : « وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّاً » (١) يعني أنّ لوجود الإمام عليهالسلام ألطافاً عديدة :
أحدها : أصل وجوده الشريف وقوام نظام الكون به ، وهذا باقٍ في عصر الغيبة أيضاً فإنّه خزينة أسرار الشرع في كلّ عصر وزمان ، والعلّة الغائيّة لخلقة العالم لأنّه من أتمّ مصاديق الإنسان الكامل الذي خلق الكون لأجله ، ونور الله الذي يهتدي به المهتدون بولايته على القلوب.
ثانيها : ظهوره وتصرّفه فإنّ حكومته وقيادته لطف آخر ، ولكن عدم هذا اللطف وانقطاعه منّا ، « فقوله : عدمه منّا » أي عدم تصرّفه لا عدم وجوده ، ولا يلازم قطع هذا القسم من اللطف قطع القسم الأوّل منه.
وإن شئت قلت : من شؤون تصرّف الإمام وظهوره أن يمنع العباد عن الخطأ وإذا لم يكن عدم أصل الظهور والتصرّف مخالفاً للّطف على المفروض فليكن عدم ما هو من شؤونه أيضاً كذلك. هذا أوّلاً.
وثانياً : سلّمنا أنّ مقتضى القاعدة ، القاء الخلاف إلاّ أنّه لا تحلّ المشكلة ما لم يمنع الأكثر عن الوقوع في الخطأ ( على الأقل ) لأنّ مجرّد إلقاء الخلاف لبعض شاذّ لا يهدي إلى سبيل ، وهذا يستلزم حجّية الشهرة أيضاً مع أنّ المستدلّ لا يلتزم به على الظاهر.
وهو تشرّف الأوحدي من العلماء بمحضر الإمام عليهالسلام في زمان الغيبة واستفساره عن بعض المسائل المشكلة ، ثمّ إعلانه رأي الإمام عليهالسلام بشكل الإجماع لأنّه يعلم أنّ مدّعي الرؤية لا يقبل قوله بل لابدّ من تكذيبه كما في الحديث ، فيعلن حكم الإمام بصورة الإجماع ويقول مثلاً : هذا ثابت بالإجماع.
إن قلت : كيف يمكن الجمع بين ما حكي متظافراً أو متواتراً من تحقّق رؤيته عليهالسلام لبعض عدول الثقات ، وبين ما ورد في بعض الرّوايات من الأمر بتكذيب مدّعى الرؤية.
__________________
(١) كشف المراد : المقصد الخامس ، المسألة الاولى.