فلا بدّ فيه أوّلاً من تعريف الحسن والقبح إجمالاً ، فنقول : المراد من حسن الفعل وقبحه ما يستحقّ المدح أو الذمّ على إتيانه ، فالنزاع عنهما مقصور في عالم الأفعال ولا يشمل عالم التكوين ، فإنّه لا إشكال في أنّ هناك أشياء حسنة كحسن جمال يوسف وحسن صوت العندليب وحسن كواكب السماء وغيرها ، كما أنّ هناك أشياء قبيحة من قبيل قبح صوت الحمير وغيره ، فالبحث في المقام مرتبط بحسن الأفعال وقبحها لا حسن الأشياء التكوينيّة وقبحها.
نعم ، لا إشكال في أنّ حسن الفعل أو قبحه ناشٍ من شيء تكويني حسن أو شيء تكويني قبيح لا محالة ، فالاحسان حسن لأنّه موجب لكمال الفرد والمجتمع خارجاً ، والظلم قبيح لأنّه موجب لنقصانهما كذلك ، وهذا هو الذي يعبّر عنه في أيّامنا هذه بأنّ لزوم الأفعال ولزوم تركها يرتبطان بالوجودات والاعدام الخارجيّة التكوينيّة ، وينشآن منهما ( ويعبّر عنه أيضاً بإرتباط معرفة الكون والايدئولوجي ) فقتل النفس قبيح لأنّه يوجب حرمان إنسان من الوجود ، وإشباع العطشان بالماء حسن لإيجابه إحياء النفس ، والأوّل نقص والثاني كمال في عالم التكوين.
نعم ، قد يختلف الكمال والنقص بحسب الآراء والأنظار ، فالإنسان الإلهي يرى الكمال في القرب إلى الله تعالى والنقص في البعد عنه حينما يريهما الإنسان المادّي في رفاه العيش وعدمه ، وهناك امور مشتركة بين جميع المذاهب البشريّة مثل حسن العدل والإحسان وقبح الظلم والعدوان.
إذا عرفت ما ذكرنا من معنى الحسن والقبح نقول : لا إشكال في حسن الأفعال وقبحها ذاتاً ويدلّ عليه امور :
الأوّل : الوجدان ، فإنّ وجدان كلّ إنسان يحكم بأنّ هناك أفعالاً حسنة ذاتاً وأفعالاً اخرى قبيحة كذلك ، والمنكر ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان ، نظير ما يقال في باب الجبر والاختيار في علم الكلام في قبال الجبريّة ، وفي باب أصل وجود أشياء في عالم الخارج في الفلسفة من أنّ الوجدان أصدق شاهد على اختيار الإنسان ووجود الواقع الخارجي ، وبالجملة إنّا ندرك حسن العدل والإحسان وقبح الظلم والعدوان ولو لم تكن هناك شريعة.