٣ ـ حجّية الشهرة الظنّية
والمراد منها الشهرة الفتوائيّة ، فإنّ الشهرة الروائيّة والعمليّة أجنبيتان عن مقامنا ، لأنّ الاولى عبارة عن اشتهار الرّواية بين أرباب الحديث ونقلها في كتبهم وهي من المرجّحات عند تعارض الخبرين ، والثانية عبارة عن عمل المشهور بالرواية ، أي فتواهم مستنداً إلى تلك الرّواية ، فتكون جابرة لضعفها إذا كانت عند القدماء ، كما أنّ اعراضهم عن العمل بها يكون كاسراً لقوّتها كما سوف يأتي في محلّه.
وأمّا الشهرة الفتوائيّة فهي عبارة عن فتوى المشهور بحكم بحيث يعدّ قول المخالف شاذّاً سواء وجدت في البين رواية أو لم توجد ، وسواء كانوا متّفقين في المدرك أو مختلفين.
والنسبة بينها وبين الإجماع الحدسي هي العموم من وجه ، موضع اشتراكهما ما إذا حدس بالشهرة قول المعصوم عليهالسلام فإنّه يصدق حينئذٍ الإجماع الحدسي أيضاً لوجود ملاكه ، وهو الحدس من كلام جمع من الفقهاء بقول الإمام عليهالسلام ، وموضع افتراق الإجماع الحدسي عن الشهرة ما إذا وصل الإجماع إلى اتّفاق الكلّ ، وعكسه الشهرة التي حصل منها مجرّد الظنّ.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه اختلف في حجّية الشهرة الفتوائيّة على أقوال : فقال بعض بحجّيتها مطلقاً سواء كانت شهرة القدماء أو المتأخّرين ، وقال بعض بعدمها مطلقاً ، وفصّل ثالث بين الموردين ، وقال بحجّية شهرة القدماء فقط.
واستدلّ القائلون بالحجّية مطلقاً بامور :
الأمر الأول : أنّ الظنّ الحاصل من الشهرة الفتوائيّة بالحكم أقوى من الظنّ الحاصل من خبر الواحد فتكون حجّة بطريق أولى.
ويجاب عنه :
أوّلاً : بأنّه قياس مع الفارق ، لأنّ الظنّ الحاصل من خبر الواحد ينشأ عن الحسّ وفي الشهرة عن الحدس.