الوارد في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ... ) (١) كما لا يخفى.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لا إشكال في جواز النسخ في القرآن سواء كان الوارد في القرآن خصوص الدليل الناسخ أو خصوص الدليل المنسوخ أو كليهما ، نعم يشترط في الأخير وجود القرينة على النسخ أمّا في الدليل الناسخ أو في الدليل المنسوخ حتّى لا يكون من قبيل الاختلاف.
هذا تمام الكلام في النسخ.
ذكرنا مسألة البداء بعد مسألة النسخ لما بينهما من الإرتباط ، ولذلك تذكران معاً في كلمات القوم غالباً ، والمحقّق العلاّمة المجلسي رحمهالله عنون لهما باباً واحداً في المجلّد الرابع من بحار الأنوار بقوله « فصل في البداء والنسخ » وجمع فيه زهاء سبعين رواية في البداء والنسخ.
ووجه الإرتباط بين المسألتين أنّ النسبة بينهما العموم مطلقاً لأنّ البداء يعمّ التكوينيات والتشريعيات معاً لكن النسخ يختصّ بالتشريعيات ، نعم خصّص بعض العلماء أحدها بالتكوينيات والآخر بالتشريعيات ، وقال في مقام تشبيه أحدهما بالآخر : « البداء في التكوينيات كالنسخ في التشريعيات » وجاء في كلام المحقق الداماد « أنّ البداء النسخ في التكوينيات والنسخ بداء في التشريعيات ».
توضيح المسألة : قال الراغب في مفرداته : البداء ظهور الشيء ظهوراً بيّناً ( ولذلك تسمّى البادية بادية لأنّ كلّ شيء ظاهر هناك ، أو لأنّه يظهر فيها حوادث مختلفة لا تظهر في المدن ) وقال بعض : المراد من البداء في اللغة ظهور الشيء بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل ، نحو قوله تعالى : ( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) (٢) أو قوله : ( وَبَدَا لَهُمْ
__________________
(١) سورة المجادلة : الآية ١٢.
(٢) سورة يوسف : الآية ٣٥.