أقول : إنّا نسأل : هل المولى الذي يكون في مقام البيان ويجعل مفهوم المطلق متعلّق حكمه ، يلاحظ ويتصوّر الحالات والعوارض الفرديّة وينظر إليها أو لا؟ فإن قلتم أنّه لم يلاحظها ولو إجمالاً ، قلنا : بأنّ هذا خلاف معنى الإطلاق وهو عدم دخالة القيد ومخالف لكون المولى في مقام البيان حيث إن عدم جعل القيد دخيلاً مع كونه في مقام البيان معناه أنّه نظر إلى القيود ولو إجمالاً فلم يرها دخيلة في مقصوده وقال « اعتق الرقبة » مثلاً ، وإن قلتم أنّه نظر إليها ولاحظها ثمّ حكم بعدم دخالتها فليس هذا إلاّ السريان وأنّ المطلق شامل لجميع الأفراد بعد إجراء مقدّمات الحكمة.
والحاصل أنّ كون المطلق تمام المطلوب لا يمكن إلاّبعد لحاظ سائر القيود ولو إجمالاً ونفى دخالتها فإنّ هذا هو المفهوم من لفظ تمام المراد فإنّ مفهومه أنّ المطلوب هو هذا لا غير ، وهذا أمر ظاهر.
( لا سيّما على المختار من أنّ المطلق أيضاً يدلّ على الشمول بدليّاً كان أو استغراقياً ).
إنّ الشمول في المطلق يستفاد من مقدّمات الحكمة بينما في العام يستفاد من وضع اللفظ ، ولا يخفى أنّ هذا الفرق مبنيّ على المختار وهو دلالة المطلق أيضاً على الشمول ، وإلاّ فإن قلنا بدلالته على الطبيعة المرسلة فقط فالفرق أوضح ، حيث إن العام يدلّ على الشمول وهو لا يدلّ عليه.
نعم ، يبقى الكلام في ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله وجماعة من أنّ استفادة العموم من العام أيضاً يتوقّف على إجراء مقدّمات الحكمة في مدخوله فحينئذٍ يشكل الفرق بينهما.
فما هو مقتضى الأصل والقاعدة الأوّليّة؟
نقول : إنّ مقتضى الأصل اللفظي العقلائي كونه في مقام البيان ويؤيّده السيرة المستمرّة للفقهاء والمجتهدين في التمسّك بالإطلاقات والعمومات مطلقاً إلاّفيما إذا أحرز كونه في مقام الإجمال والإهمال فإنّهم مع فقد هذا الإحراز يأخذون بالإطلاق كما تشهد به سيرتهم العمليّة في أبواب الفقه.