إلى الضرر الاخروي يحكم العقل به فيما إذا كان محتملاً فضلاً عمّا إذا كان مظنوناً أو مقطوعاً ، ولذلك يجب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص مع أنّ الضرر وهو العقاب الاخروي يكون فيها محتملاً.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه بالنسبة إلى الضرر الاخروي فالكبرى تامّة دون الصغرى ، وأمّا الضرر الدنيوي فتكون القضيّة فيه بالعكس ، أي الصغرى تامّة دون الكبرى.
هذا كلّه في الدليل الأوّل لحجّية الظنّ.
إنّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح.
واجيب عنه : بأنّ هذه الملازمة تتحقّق فيما إذا لم يمكن العمل بطريق ثالث غير الظنّ وأخويه مع أنّه يتصوّر هنا طريق ثالث وهو العمل بالاصول العمليّة أو الإحتياط.
وإن شئت قلت : أنّ هذا مقدّمة من مقدّمات الانسداد ولا يوجب لزوم العمل بالظنّ إلاّ بعد تماميّة مقدّمات الانسداد ، ومعها لا يكون هذا الوجه دليلاً مستقلاً.
هذا ـ والمحقّق الحائري رحمهالله إستشكل أيضاً في كبرى استحالة ترجيح المرجوح على الراجح في درر الفوائد ببيان : « أنّه إن أراد من الراجح ما هو راجح بملاحظة أغراض الفاعل ويقابله المرجوح كذلك فترجيح المرجوح بهذا المعنى غير ممكن ( لا أنّه قبيح ) لأنّه راجع إلى نقض الغرض ، ومجرّد الأخذ بالطرف الموهوم ليس ترجيحاً بهذا المعنى ( حتّى يقال بإمكان وقوعه تكويناً ) إذ ما لم يترجّح بملاحظة اغراضه لم يمل إليه في خلاف جهة غرضه ، وإن لم يرد من الراجح ما هو راجح بملاحظة أغراض الفاعل بل أراد من الراجح الظنّ ( أي الراجح بملاحظة أغراض الشارع ) فترجيح الموهوم عليه وإن كان قبيحاً لكن قبحه موقوف على تماميّة سائر مقدّمات الانسداد ومعها ليس هذا الوجه وجهاً مستقلاً » (١).
أقول : الصحيح هو عدم استحالة ترجيح المرجوح على الراجح وكذلك الترجيح بلا
__________________
(١) درر الفوائد : ج ٢ ، ص ٣٩٩ ، طبع جماعة المدرّسين.