أقول : لو كان المراد من عدم وجود التضادّ في الأحكام التكليفيّة عدم التضادّ في مرحلة الإنشاء فلا بأس به ، ولكن المدّعى ليس هو اجتماع الضدّين في تلك المرتبة بل أنّه بالنسبة إلى مرتبة الفعليّة ، وفي هذه المرتبة وإن كان الإنشاء أو الحكم أمراً اعتباريّاً ولكن له مبادٍ ولوازم حقيقية ، حيث إن الحكم الفعلي لابدّ فيه من وجود مصلحة أو مفسدة في متعلّقه كما يحتاج إلى إنقداح إرادة أو كراهة في نفس المولى وبعث أو زجر ، ولا يخفى أنّ المصلحة أو المفسدة والإرادة أو الكراهة أمران حقيقيان لهما وجودان في عالم التكوين كما مرّت الإشارة إليه حينما تعرّضنا لمعنى الإمكان في هذا المبحث في جواب ما اختاره المحقّق النائيني رحمهالله من الإمكان التشريعي.
المختار في حلّ المشكلة هو الطريق السابع : وهو ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في رسائله ، ويرجع إليه كلام كثير من الأعلام ، وإليك نصّ عبارته : « أنّه ( ابن قبّة ) إن أراد إمتناع التعبّد بالخبر في المسألة التي انسدّ فيها باب العلم بالواقع فلا يعقل المنع عن العمل به فضلاً عن امتناعه ، وإن أراد الإمتناع مع انفتاح باب العلم والتمكّن منه في مورد العمل بالخبر فنقول : إنّ التعبّد بالخبر حينئذٍ بل بكلّ أمارة غير علميّة يتصوّر على وجهين :
الوجه الأوّل : أن يكون ذلك من باب مجرّد الكشف عن الواقع فلا يلاحظ في التعبّد بها إلاّ الايصال إلى الواقع ، فلا مصحلة في سلوك هذا الطريق وراء مصلحة الواقع ، والأمر بالعمل في هذا القسم ليس إلاّللإرشاد ، وهذا الوجه غير صحيح مع علم الشارع العالم بالغيب بعدم دوام موافقة هذه الأمارة للواقع.
الوجه الثاني : أن يكون ذلك لمدخلية سلوك الأمارة في مصلحة العمل بها وإن خالف الواقع فإنّ العمل على طبق تلك الأمارة يشتمل على مصلحة فأوجبه الشارع ، وتلك المصلحة لابدّ أن تكون ممّا يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع وإلاّ كان تفويتاً لمصلحة الواقع وهو قبيح ، والمراد بالحكم الواقعي الذي يلزم بقائه هو الحكم المتعيّن المتعلّق بالعباد الذي يحكي عنه الأمارة ويتعلّق به العلم أو الظنّ وإن لم يلزم امتثاله فعلاً في حقّ من قامت عنده أمارة على خلافه ، ويكفي في كونه الحكم الواقعي أنّه لا يعذر فيه إذا كان عالماً به أو جاهلاً مقصّراً.
والحاصل : أنّ المراد بالحكم الواقعي هي مدلولات الخطابات الواقعيّة غير المقيّدة بعلم