وإن شئت قلت : الحسّ على نوعين : حسّ دقيق ، وحسّ غير دقيق ، ولا ريب في أنّ الشهادة والإخبار عن حسّ دقيق تحتاج إلى التخصّص والخبرويّة نظير إخبار الطبيب وشهادته على أنّ هذا المريض كذا وكذا ، وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ تشخيص الظهور وتعيين المتفاهم عرفاً بين المعاني والاستعمالات المتعدّدة أمر مشكل دقيق يحتاج إلى دقّة وخبرويّة ، وحينئذٍ يرجع قول اللغوي إلى قول أهل الخبرة لا إلى الشهادة عن حسّ.
هذا ـ مضافاً إلى ما أثبتناه في القواعد الفقهيّة (١) من أنّه لا يعتبر التعدّد في الإخبار عن الموضوعات بل في غير باب القضاء يكفي خبر الواحد الثقة.
رابعها : ما ورد في تهذيب الاصول من « أنّ مجرّد بناء العقلاء على الرجوع في هذه القرون لا يكشف عن وجوده في زمن المعصومين حتّى يستكشف من سكوته رضاهم ، مثل العمل بخبر الواحد وأصالة الصحّة ... ( إلى أن قال ) : والحاصل : أنّ موارد التمسّك ببناء العقلاء إنّما هو فيما إذا احرز كون بناء العقلاء بمرأى ومسمع من المعصومين عليهمالسلام ولم يحرز رجوع الناس إلى صناعة اللغة في زمن الأئمّة بحيث كان الرجوع إليهم كالرجوع إلى الطبيب » (٢).
قلنا : لا حاجة في حجّية خصوص قول اللغوي الذي هو من مصاديق كبرى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة إلى وجود خصوص هذا المصداق في زمن المعصومين عليهمالسلام بل مجرّد وجود الكبرى في ذلك الزمان كافٍ ، وإلاّ يلزم من ذلك عدم جواز الرجوع إلى أهل الخبرة بالنسبة إلى المصاديق المستحدثة. هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّه لا ريب في رجوع غير أهل اللسان في زمن المعصومين إلى أهل اللسان في حاجاتهم اليوميّة التي كانت مربوطة بتعيين معاني اللغات والألفاظ المتداولة في ذلك اللسان كرجوع أعجمي إلى أهل لسان العرب في تشخيص رسائل الوصايا والأوقاف وأسناد المعاملات والمراسلات العادية التي كانت مكتوبة باللغة العربيّة ، وعلى الأقلّ في فهم ما يتعلّق بالقرآن والحديث في توضيحهما وتفسيرهما وتبيين مفرداتهما فلا تتوقّف إثبات إتّصال سيرة العقلاء إلى زمن المعصومين عليهمالسلام على تدوين كتب في اللغة في ذلك الزمان ورجوع الناس إليها كذلك.
__________________
(١) راجع القواعد الفقهيّة : المجلّد الثاني ، ص ٨١ ، الطبعة الثانية.
(٢) تهذيب الاصول : ج ٢ ص ٩٧ ، طبع جماعة المدرّسين.