وأمّا القائلون بجواز القياس فاستدلّوا بالأدلّة الأربعة والمهمّ منها الذي يليق ذكره إنّما هو السنّة وأمّا الآيات فضعفها في الدلالة على مدّعاهم لا يحتاج إلى البيان ، بل يشكل فهم أصل ربطها بهذه المسألة فضلاً عن صحّة الاستدلال بها ، وهذا يدلّ على وقوعهم في ضيق شديد في مقام إقامة الدليل على ما دبّروها من قبل من صحّة القياس.
أمّا الآيات المستدلّ بها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ... ) (١) ببيان أنّ القياس أيضاً نوع إرجاع للأمر إلى سنّة الرسول حيث إن القائس يرجع في استنباط حكم الفرع إلى الأصل الذي ثبت حكمه بالسنّة ، أو يستنبطه من العلّة التي اكتشفها من السنّة.
ويرد عليه أوّلاً : إنّ وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة لا يحتاج إلى الاستدلال بهذه الآية بل هو أمر واضح مستفاد من أدلّة حجّية الظهور.
وثانياً : إنّ الإشكال إنّما هو صغرى الردّ إلى الله وكشف العلّة ، وإنّ القياس الظنّي واستنباط الحكم من العلّة الظنّية ليسا من الردّ إلى الله والرسول ، لأنّ هذا هو موضع النزاع ، وإلاّ لو كانت العلّة قطعية وتامّة فلا كلام في أنّ مقتضى حكمة الحكيم عدم التفريق بين الأصل والفرع وهو خارج عن محلّ الكلام.
ومنها : قوله تعالى : ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) « بتقريب أنّ الاعتبار في الآية مأخوذ من العبور والمجاوزة وأنّ القياس عبور من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع فإذا كنا مأمورين بالاعتبار فقد أمرنا بالعمل بالقياس وهو معنى حجّيته.
وهذا الاستدلال ركيك جدّاً يظهر بأدنى تأمّل.
ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ببيان أنّ الله عزّوجلّ استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فقاس عزّوجلّ إعادة المخلوقات بعد فنائها على إنشائها أوّل مرّة ، وهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به.
وفيه : أوّلاً : أنّها لا تدلّ على حجّية القياس إلاّبضرب من القياس ، وهو قياس عمل
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٥٩.