استحقاق المصيب ، وهذا ممّا لا يتفوّه به أحد ، والرابع عكس الثالث وهو يستلزم الترجيح بالإصابة التي هي خارجة عن الاختيار ، وهو محال ، فيتعيّن الاحتمال الأوّل ، وهو استحقاق كلا الفردين للعقاب ، فيثبت حينئذٍ حرمة التجرّي.
وجواب هذا الوجه أيضاً معلوم ، وهو إنّا نختار الاحتمال الرابع ونلتزم بالتفاوت والترجيح المذكور ، فإنّه لا إشكال في أنّ عدم العقاب لأمر غير اختياري ممّا لا استحالة فيه ، نظير عدم العقاب الناشىء من تعطيل مراكز الفساد الخارج عن اختيار المكلّفين ، بل الإشكال ثابت في العقاب لأمر غير اختياري.
الوجه الرابع : روايات سيأتي ذكرها وتدلّ على أنّ نيّة المعصية معصية كما يأتي أيضاً الجواب عنها.
الوجه الخامس : ( ولعلّه العمدة ) الوجدان ، حيث إن الوجدان قاضٍ بأنّ من تجرّى على مولاه فقد هتك حرمة مولاه وخرج عن رسم العبوديّة وهو يوجب الاستحقاق للعذاب.
وجوابه : أنّ التجرّي على قسمين : تارةً يكون المتجرّي في مقام الهتك على المولى ، ولسان حاله أنّي افعل هذا عناداً وهتكاً ومعارضة للمولى ، وهذا قد يكون سبباً للكفر فضلاً عن الفسق.
واخرى ليست نيّته الهتك والمعارضة بل يقول : غلبني هواي ويقرّ ويعترف على تقصيره كما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهالسلام : « إلهي ما عصيتك حين عصيتك وأنا لربوبيتك جاهل ولا لأمرك مستخفّ بل خطيئة عرضت لي وسوّلت لي نفسي وغلبني لي هواي » فإنّ هذا ليس هتكاً قطعاً ، حيث إن الهتك من العناوين القصديّة ، والعاصي في هذه الصورة ليس قاصداً للجرأة على مولاه.
ومن هنا يعلم أنّ من قصد قتل مولاه ولم يقتله كمن صبّ السمّ مثلاً في طعامه ولكن لم يأكله اتّفاقاً فإنّه إنّما يعاقب من باب الهتك والجرأة والمعارضة وانطباق عناوين قصديّة محرّمة على فعله لا من باب التجرّي في مصطلح الاصوليين ، وبعبارة اخرى : موضع النزاع في ما نحن فيه هو المتجرّي في مصطلح الاصوليين أي مطلق من نوى حراماً وأتى بمقدّماته ولم يصبّ الواقع ، لا المتجرّي في اللغة الذي يلازم الجرأة والهتك ، بل أنّه خارج عن محلّ البحث ، وكأنّه وقع الخلط بين المعنيين في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله.