الوجه السادس : ما نقله المحقّق النائيني رحمهالله عن السيّد الشيرازي الكبير سيّد أساتذتنا ، وهو مركّب من أربع مقدّمات :
الاولى : أنّ وظيفة المولى إرسال الرسل وإنزال الكتب ، ووظيفة العبد وجوب الإطاعة بحكم العقل.
الثانية : أنّه فرق بين حسن الطاعة وقبح المعصية ، وبين حسن الإحسان وقبح الظلم ، لأنّ الأوّلين يرتبطان بسلسلة معاليل الأحكام والأخيرين يرتبطان بسلسلة علّلها.
الثالثة : أنّ المناط في حكم العقل باستحقاق العقاب هو إرتكاب ما يعلم مخالفته للتكليف لا ما يكون مخالفاً واقعاً ، فالمهمّ إذن هو العلم بالتكليف لا إصابة ذلك العلم للواقع وإلاّ لتعطّلت الأحكام حيث لا يمكن إحراز الإصابة في مورد ، وعليه فالمتجرّي والعاصي على حدّ واحد من حيث وجود مناط استحقاق العقوبة فيهما.
الرابعة : أنّ الميزان في استحقاق العقوبة إمّا القبح الفعلي أو الفاعلي ، والأوّل واضح البطلان إذ يلزم استحقاق العقاب على شرب الخمر واقعاً باعتقاد أنّه خلّ ، فيتعيّن الثاني ، وهو في المتجرّي والعاصي على حدّ سواء.
أقول : أوّلاً : لا دخل للمقدّمة الاولى والثانية في المقام مع صحّتهما في أنفسهما كما لا يخفى.
وثانياً : يصلح كلّ من المقدّمة الثالثة والرابعة أن يكون برهاناً مستقلاً على استحقاق المتجرّي للعقاب.
وثالثاً : ( بالنسبة إلى قوله في المقدّمة الثالثة ) المناط في حكم العقل باستحقاق العقاب ليس هو العلم بالتكليف فقط بل إنّنا نختار أنّ الإصابة للواقع أيضاً شرط ، ولكنّها حاصلة لدى المتجرّي في نظره لأنّ القاطع يرى قطعه مطابقاً للواقع ، فهو دائماً يحرز التكليف ويرى نفسه مستحقّاً للعقاب على تقدير المخالفة فلا يلزم تعطيل الأحكام.
ورابعاً : قوله في المقدّمة الرابعة مبني على انقسام القبح إلى خصوص الفعلي والفاعلي مع إنّا نختار وجهاً ثالثاً ، وهو كون الميزان مجموع القبحين ، فتكون التفرقة بين العاصي والمتجرّي صحيحة بلا لزوم إشكال.
فظهر إلى هنا عدم وجود دليل على حرمة المتجرّي واستحقاق العقاب عليه.