واستدلّ القائلون بالحرمة بوجوه خمسة :
الوجه الأوّل : الإجماع المستفاد من موارد من الفقه :
منها : باب السفر الحرام ، فإنّ الإجماع قام على حرمة سفر من يخاف على نفسه من الضرر أو الخطر المحتمل وجوده في الطريق وإن انكشف خلافه بعد.
ومنها : باب أوقات الصّلاة ، فالإجماع قام على عدم جواز تأخير الصّلاة لمن يظنّ ضيق الوقت ، فلو تأخّرها عصى وإن تبيّن بعد عدم ضيق الوقت.
وفيه : أوّلاً : أنّ الإجماع في مثل هذه المسألة التي لها مدارك مختلفة ليست بحجّة وكاشفاً عن قول المعصوم عليهالسلام.
ثانياً : الإجماع في الفرع الثاني ليس بثابت ، لذهاب بعض الفقهاء إلى عدم المعصية إذا انكشفت سعة الوقت ، وأمّا الفرع الأوّل فيمكن أن يقال : إنّ موضوع الحرمة فيه هو نفس خوف الضرر والخطر لا الضرر الواقعي ، وحينئذٍ لا يتصوّر كشف الخلاف ، فإن الخوف موجود واقعاً على كلّ حال.
الوجه الثاني : بناء العقلاء على عقاب المتجرّي على المولى.
وجوابه واضح ، لأنّه أوّل الكلام ولا دليل عليه ، نعم أصل المذمّة والحكم بالقبح من ناحيتهم ممّا لا إشكال فيه لكن حكمهم بالعقاب ليس ثابت.
إن قلت : حكم العقلاء من حيث هم عقلاء بالقبح يلازم العقاب الشرعي بقاعدة الملازمة.
قلنا : لا ملازمة بين العقاب الشرعي والقبح العقلي في جميع مراتبه لأنّ للقبح درجات : منها درجة تشبه الكراهة التي لا عقاب على إرتكابها بلا خلاف ، بل الملازمة ثابتة بين العقاب الشرعي والقبح العقلي الذي يحكم العقل بلزوم تركه أيضاً ، كما أنّ الحسن العقلي أيضاً لا يلازم الوجوب الشرعي في جميع مراتبه ، حيث إن للمستحبّات العقليّة أيضاً درجة من الحسن لا تبلغ حدّ الإلزام.
الوجه الثالث : دليل العقل وبيانه : أنّه إذا نوى شخصان شرب الخمر وإرتكبا مقدّماته وشرب كلّ منهما ما قطع بخمريته فأصاب قطع أحدهما بالواقع دون الآخر فالحكم في المسألة حينئذٍ لا يخلو من أحد احتمالات أربعة : فأمّا أن نحكم باستحقاق كليهما للعقاب وهو المطلوب ، أو نقول بعدم استحقاق كليهما له وهو كما ترى ، والاحتمال الثالث استحقاق المخطىء له وعدم