وأمّا عدم كونها اصوليّة فلما أشرنا إليه من أنّ المسألة الاصوليّة ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلّي الفرعي وليست هي بنفسها حكماً كلّياً فرعياً.
وأمّا ما ذكره في توجيه كونها اصوليّة من أنّ البحث فيها بحث عن الحسن والقبح ووجود الملازمة بين حكم العقل والشرع.
ففيه : أنّه أيضاً من الخلط بين الصغرى والكبرى ، حيث إن الاصولي في مسألة الحسن والقبح يبحث في كبرى « كلّما حكم به العقل حكم به الشرع » بينما في ما نحن فيه يبحث في أنّ التجرّي هل يحكم العقل بقبحه حتّى يكون صغرى لتلك الكبرى وتكون النتيجة حرمته عند الشرع أيضاً أو لا؟ وهذا واضح.
وهيهنا كلام للمحقّق النائيني رحمهالله : وهو « أنّ الإنصاف أنّ إحراز الشيء لا يكون مغيّراً لما عليه ذلك الشيء من المصلحة والمفسدة ، وليس من قبيل الضرر والنفع العارض على الصدق والكذب المغيّر لجهة حسنه وقبحه لوضوح أنّ العلم بخمريّة ماء وتعلّق الإحراز به لا يوجب انقلاب الماء عمّا هو عليه وصيرورته قبيحاً ، فدعوى أنّ الفعل المتجرّي به يكون قبيحاً ويستتبعه الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة واضحة الفساد » (١).
أقول : جوابه واضح ، لأنّ القائل بالحرمة لا يقول : أنّ شرب الماء بعنوانه حرام بل لم يقل بحرمته بعنوانه أحد ، بل يقول : إنّ الشارب للماء بنيّة شرب الخمر قد تجرّأ على المولى ، وأوقع نفسه في مقام الهتك عليه فينطبق على شربه عنوان الهتك والجرأة على المولى ، ولذلك أي لأجل هذا الانطباق صار شرب الماء حراماً ، وبعبارة اخرى : أنّ عنوان التجرّي عنوان من العناوين الثانويّة ، وفي كلامه وقع الخلط بينها وبين العناوين الأوّليّة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :
أوّلها : الحرمة ، وذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله ومن تبعه.
الثاني : عدم الحرمة ، ومال إليه شيخنا الأعظم في الرسائل.
الثالث : التفصيل بين الحالات المختلفة المتصوّرة في المقام ، وهذا هو الذي اختاره صاحب الفصول رحمهالله وسيأتي أنّه ليس بتفصيل ، بل يرجع في الواقع إلى القول بالحرمة مطلقاً.
__________________
(١) درر الفوائد : ج ٣ ، ص ٤١ ، طبع جماعة المدرّسين.