مرحلة من هذه المراحل ، فمن نوى ولم يأت بالعمل أو أتى بالمقدّمة ولم يأت بذي المقدّمة أو أتى بذي المقدّمة أيضاً ولكن لم يصب قطعه الواقع أو أصاب قطعه بالواقع أيضاً ، ففي جميع هذه المراحل قد تجرّى على مولاه ، نعم في مصطلح الاصوليين يطلق التجرّي على خصوص المرحلة الثالثة فقط ، أي ما إذا نوى وأتى بالمقدّمة وذي المقدّمة ولم يصب الواقع ، ولا يخفى أنّ نفس هذا الكلام وهذه المراحل بأسرها تجري في الإنقياد أيضاً.
المقدمة الثانية : هل هذه المسألة مسألة اصوليّة أو فقهيّة أو كلاميّة؟
ذهب المحقّق الحائري رحمهالله في درره إلى أنّها قابلة لكلّ منها وقال : « أنّ النزاع يمكن أن يقع في استحقاق العقوبة وعدمه فيكون راجعاً إلى النزاع في المسألة الكلاميّة ، ويمكن أن يقع النزاع في أنّ إرتكاب الشيء المقطوع حرمته هل هو قبيح أم لا؟ فيكون المسألة من المسائل الاصوليّة التي يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، ويمكن أن يكون النزاع في كون هذا الفعل أعني إرتكاب ما قطع بحرمته مثلاً حراماً شرعاً أو لا؟ فتكون من المسائل الفقهيّة » (١).
أقول : الإنصاف أنّ المسألة فقهيّة ولا غير ، أمّا كونها فقهيّة فلأنّ نتيجتها وهي حرمة التجرّي حكم كلّي فرعي قابل للانطباق على مصاديقه الجزئيّة وحيث يمكن للفقيه أن يكتب في الرسالة العمليّة : أنّ من نوى حراماً وفعل مقدّماته ولم يطابق الواقع فقد فعل حراماً أو لم يفعل حراماً.
وبعبارة اخرى : أنّ نتيجتها لا تقع كبرى لقياس الاستنباط حتّى تستنتج منها حكماً كلّياً فرعياً بل هي نفسها حكم كلّي فرعيى ، ولو تنزّلنا عن ذلك فلا أقلّ من كونها من القواعد الفقهيّة.
وأمّا عدم كونها كلاميّة فلأنّ البحث فيها بحث عن صغرى موضوع علم الكلام ، حيث إن موضوعه هو كبرى : أنّ المعصية هل توجب العقاب أو لا؟ بينما البحث في المقام بحث في صغرى المعصية ، أي في أنّ فعل المتجرّي معصية أو لا؟
وإلاّ فإن كانت هذه مسألة كلاميّة يلزم أن يكون كلّ فرع فقهي من مسائل الكلام ، والإنصاف أنّ عدّها من علم الكلام من ناحية هذا المحقّق بعيد من مقامه.
__________________
(١) درر الفوائد : ص ٣٣٥ ، طبع جماعة المدرّسين.