منذ البداية ، فقد يستكشف لهم بعد جعل الحكم فقدان المصلحة من بدو الأمر.
الثانية : جهلهم بانتهاء مصلحة الحكم وعدم دوامها فيما إذا انتهت المصلحة بعد فترة ، فيستكشف لهم عدم دوامها ، ولا إشكال في أنّه لا يتصوّر شيء من الأمرين بالنسبة إلى الشارع العليم الحكيم كما لا يخفى ، لكن هذا لا ينافي أن يكون جعل الشارع وإنشائه بحسب الظاهر والواقع مطلقاً كما مرّ بيانه.
وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّه لو كان النسخ تخصيصاً أزمانياً ودفعاً في مقام الثبوت فكان الزمان مأخوذاً في الحكم يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّ في نسخ حكم واحد يستثنى أكثر الزمان ، هذا أوّلاً.
وثانياً : لا خلاف ولا إشكال في تقديم التخصيص على النسخ عند دوران الأمر بينهما ، وهذا ممّا يشهد بأنّ النسخ عندهم هو نزع الحكم من الأصل والأساس ، ولذلك يحتاج إلى مؤونة زائدة على التخصيص الذي يكون أساس الحكم فيه باقياً على حاله ، وإلاّ لو لم يكن النسخ هكذا بل كان في الواقع من مصاديق التخصيص فلا وجه لتقيم التخصيص عليه.
ثالثاً : أنّ عدم جواز النسخ بخبر الواحد وجواز التخصيص به أيضاً شاهد لما ذكرنا حيث إنّه أيضاً يدلّ على زيادة المؤونة في النسخ وأنّه رفع الحكم من الأساس.
بقي هنا شيء :
وهو كيف يتصور النسخ في القرآن الكريم؟
لا إشكال في جواز النسخ في القرآن سواء كان الناسخ والمنسوخ كلاهما في القرآن كما في آية النجوى ، أو كان خصوص الناسخ فيه كما في حكم القبلة.
لا يقال : أنّه في القسم الأوّل مشمول لقوله تعالى : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١) لأنّ جوابه واضح ، وهو وجود القرينة في هذه الموارد إمّا على أنّ الآية المنسوخة ستنسخ أو على ناسخيّة الآية الناسخة فتكون إحدى الآيتين ناظرة إلى الاخرى ، ولا إشكال حينئذٍ في عدم صدق الاختلاف ، فالأوّل مثل قوله تعالى : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٨٢.