كالواجبات الموقّتة مثل الصّوم والحجّ في القسم الأوّل ، وكالإجارة في القسم الثاني وكبعض مناصب الحكومة في عصرنا هذا في القسم الثالث ، وقد يكون مطلقاً كوجوب تطهير المسجد من النجاسة وأداء الدَين في القسم الأوّل وكالملكيّة الحاصلة من البيع في القسم الثاني حيث إن البيع ينعقد مطلقاً وإن كان البائع أو المشتري عازماً على الفسخ ، ولذا لا يصحّ أن يقول : « ملكتك إلى شهر » ولا أن يقول : « ملكتك إلى الأبد » بل الملكيّة إذا حصلت بقيت بذاتها ، وكالقضاوة والوزارة في القسم الثالث لأنّه ما لم يعزل القاضي أو الوزير عن منصب القضاوة والوزارة يكون باقياً على منصبه بمقتضى طبيعة ذاتهما.
إذا عرفت هذا فنقول : لا إشكال في أنّ الحكم الذي انشأ على نحو الإطلاق وكان من القسم الثاني والثالث يدوم ويستمرّ بمقتضى طبعه وذاته ولذلك يعبّر فيهما بالفسخ والعزل ، فإنّ الفسخ أو العزل هو رفع ما يكون ثابتاً باقياً حتّى في مقام الثبوت ، ثمّ نقول : كذلك في القسم الأوّل ، أي الأحكام التكليفيّة التي تصدر وتنشأ من جانب الشارع مطلقاً ويكون مقتضى طبعها وذاتها الدوام والاستمرار بلا فرق بينها وبين الأحكام الوضعيّة والمناصب المجعولة ، وبلا فرق بين مقام الثبوت ومقام الإثبات فيكون وزان النسخ فيها وزان الفسخ والعزل فيهما ، أي أنّ النسخ أيضاً رفع الحكم الثابت لا الدفع ، فكما أنّ الأحكام الوضعيّة المطلقة والمناصب المجعولة المطلقة كان مقتضى طبعها وذاتها الدوام والبقاء فتكون باقية ما لم يفسخ وما لم يعزل كذلك الأحكام التكليفيّة المطلقة يكون مقتضى طبعها الدوام والبقاء وتكون باقيّة ما لم ينسخ ، فوزانها وزانهما كما أنّ وزان النسخ وزان الفسخ والعزل ، ولذلك نقول : كذلك في الشرائع السابقة فإنّ مقتضى طبعها أيضاً الدوام ما لم تأت شريعة اخرى ، فمثلاً شريعة عيسى عليهالسلام لم تكن مقيّدة بمقدار خمسمائة سنة بل إنّها بأحكامها كانت مطلقة في مقام الثبوت والإنشاء ، مقتضية للبقاء والاستمرار ، وهكذا مسألة القبلة في شريعتنا كانت بذاتها مقتضية للدوام والاستمرار ما لم تنسخ من ناحية الشارع.
إن قلت : فما الفرق بين الشارع وغيره في النسخ؟
قلنا : لا فرق بينهما بالنسبة إلى ماهيّة النسخ وحقيقته ، فإنّه رفع الحكم ثبوتاً وإثباتاً في كلا الموردين ، إنّما الفرق من جهتين :
الاولى : جهل العقلاء بعدم المصلحة حدوثاً ومن أوّل الأمر فيما إذا كانت المصلحة مفقودة