الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) (١) قرينة على إمكان النسخ فيها ، كما ورد من طرق الفريقين أنّ المراد من السبيل هو حدّ زناء المحصنة ، فنسخ حكم الإمساك في البيوت للزانيات ، وتبدّل إلى الحدّ المذكور في الرّوايات وهو الرجم ، نعم ليس الناسخ لهذه الآية من القرآن ، فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّ محلّ البحث ما إذا كان كلا الدليلين من القرآن بينما الناسخ هنا روايات وردت من طريق الفريقين.
وأمّا قوله تعالى في سورة النور : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) فهو وارد في غير المحصنات كما ثبت في محلّه ، نعم يمكن الاستشهاد بهذه الآية لإثبات أصل وجود القرينة في الآية المنسوخة.
إن قلت : كيف يكون الرجم بالنسبة إلى المحصنات الزانيات سبيلاً مع كونه أسوأ حالاً من الإمساك؟
قلنا : أنّه كذلك إذا كان الحكم في الدليل الناسخ شاملاً أيضاً لمن إرتكب الزنا قبل صدور الناسخ مع أنّ الثابت في الشرع أنّ حكم الرجم مخصوص لمن يزني بعد صدور هذا الحكم ، وأمّا المرتكب للزنا قبله فهو معفوّ بلا إشكال. وحينئذٍ السبيل في الآية هو العفو بالنسبة إلى من زنى سابقاً ، كما أنّه كذلك في القوانين العقلائيّة العرفيّة ، فإنّها لا تشمل ما سبق ، وحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ الاعتبار العقلائي هذه بنفسها قرينة لبّية على انصراف القانون الجديد في الشرع إلى زمان الحال والاستقبال.
نعم ، إذا قلنا : أنّ الآية ناظرة إلى غير المحصنات مع القول بأنّ آية الجلد شاملة لمن سبق منه الزنا أيضاً فالمراد من السبيل حينئذٍ هو تبدّل السجن إلى الجلد.
هذا كلّه فيما إذا كانت القرينة موجودة في الدليل المنسوخ ، أمّا الثاني وهو ما إذا كانت القرينة موجودة في الدليل الناسخ فهو نظير قوله تعالى في آية النجوى : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (٢) فإنّ التعبير بـ « أأشفقتم » و « فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم » قرينة على نسخ حكم الصدقة
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١٥.
(٢) سورة المجادلة : الآية ١٣.