ومما يقرب ما ذكرنا أيضا أن العبادة لا شبهة في احتياجها إلى النية وتوقفها عليها كما ستعرف ، ومعلوم أن العبادات في الشرع في غاية الكثيرة.
وبالجملة : احتمال نفي الكمال مما لا يتفطن به أهل العرف والفقهاء ، ولا يخطر بخاطر إلا بعد الاطلاع بما ذكره ، فتأمّل.
هذا كله على القول بأن لفظ العبادة اسم للأعم من الصحيحة ، أما على القول بأنه اسم لخصوص الصحيحة فلا وجه للإيراد المذكور أصلا ، كما لا يخفى.
قوله : واعلم أن الفرق. ( ١ : ١٨٤ ).
لا يخفى أن الواجب ما يكون على تركه العقاب ، فإن كان عبادة فيكون على فعله الثواب أيضا ، وإلا فلا. والعبادة إما أن تكون بالذات عبادة أو بواسطة النية.
والأول مثل الصلاة والصوم ، والعبادة في اصطلاح الفقهاء عبارة عن هذا القسم ، وربما يعرفونه بالذي لا يصح فعله بغير النية ، وهذا لا تعرف ماهيته إلا من الشرع ، كما لا تعرف شرائطه وأحكامه الشرعية إلا منه ، وكذا لا تعرف المصلحة في إيجابه بصورته المخصوصة وشرائطه المخصوصة.
والقسم الثاني مثل إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق ونظائرهما من الواجبات العينية أو الكفائية ، ومن الواجبات العينية والكفائية في هذا القسم الصناعات والتجارات والزراعات ونظائرها مما يتوقف عليه انتظام العالم ، وربما صارت عينية أيضا ، وربما كان واجبا للغير مثل قطع الطريق للحج ، سواء قلنا بوجوبه شرعا أو عقلا ، ومثل غسل النجاسات من الظروف والثياب وغيرهما للإجماع على عدم الوجوب لنفسه ، بل للصلاة والأكل وغيرهما.
وهذا القسم لا يتوقف صحته على النية ، نعم صيرورته عبادة تتوقف عليها ، إذ لو أخرج الغريق أو أنقذ لا لقصد الامتثال بل لأنه ابنه أو غريمه أو غير