٦ ـ عرض إجمالى للسورة الكريمة :
عند ما نطالع سورة هود بتدبر وتأمل ، نراها في الربع الأول (١) منها ـ قد افتتحت بالتنويه بشأن القرآن الكريم. وبدعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، وإلى التوجه إليه بالاستغفار والتوبة الصادقة ، حتى ينالوا السعادة في دنياهم وآخرتهم.
قال ـ تعالى ـ : (الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ. وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ. إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم وضحت السورة جانبا من مسالك الكافرين ، تلك المسالك التي تدل على جهالاتهم بعلم الله التام ، وبقدرته النافذة ، وفصلت مظاهر هذه القدرة ، وشمول هذا العلم ..
قال ـ تعالى ـ : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ، أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ، يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
ثم بينت أحوال الإنسان في حالة منحه النعمة ، وفي حالة سلبها عنه ، وساقت للرسول صلىاللهعليهوسلم من الآيات ما يسليه عما أصابه من كفار مكة ، وتحدتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن الكريم ، وأنذرتهم بسوء عاقبة المعرضين عن دعوة الله ، الصادين عن سبيله ، الكافرين بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب ، وبشرت المؤمنين بحسن العاقبة ، وضربت المثل المناسب لكل من فريقى الكافرين والمؤمنين.
استمع إلى السورة الكريمة وهي تصور كل ذلك بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول :
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ، لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ. إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ...).
إلى أن تقول بعد حديث مفصل عن الكافرين وسوء عاقبتهم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
فإذا ما وصلنا إلى الربع (٢) الثاني من سورة هود ، وجدناها تسوق لنا بأسلوب مفصل ،
__________________
(١) الآيات من ١ ـ ٢٤.
(٢) الآيات من ٢٥ ـ ٤٠.