قومه عن دعوته ، وفيها كذلك تعريض بأهل مكة ، وإنذارهم من سوء عاقبة الإصرار على الكفر والجحود ، وحض لهم على أن يكونوا كقوم يونس ـ عليهالسلام ـ الذين آمنوا قبل نزول العذاب فنفعهم إيمانهم.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذه التسلية لرسوله صلىاللهعليهوسلم تسلية أخرى فقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ...) ومفعول المشيئة محذوف والتقدير :
ولو شاء ربك ـ يا محمد ـ إيمان أهل الأرض كلهم جميعا لآمنوا دون أن يتخلف منهم أحد ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ ذلك ، لأنه مخالف للحكمة التي عليها أساس التكوين والتشريع ، والإثابة والمعاقبة ، فقد اقتضت حكمته ـ سبحانه ـ أن يخلق الكفر والإيمان ، وأن يحذر من الكفر ويحض على الإيمان ، ثم بعد ذلك من كفر فعليه تقع عقوبة كفره ، ومن آمن فله ثواب إيمانه.
والهمزة في قوله ـ سبحانه ـ (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) للاستفهام الإنكارى ، والفاء للتفريع.
والمراد بالناس : المصرين على كفرهم وعنادهم.
والمعنى : تلك هي مشيئتنا لو أردنا إنفاذها لنفذناها ، ولكننا لم نشأ ذلك فهل أنت يا محمد في وسعك أن تكره الناس الذين لم يرد الله هدايتهم على الإيمان؟.
لا ، ليس ذلك في وسعك ولا في وسع الخلق جميعا ، بل الذي في وسعك هو التبليغ لما أمرناك بتبليغه.
وفي هذه الجملة الكريمة تسلية أخرى للرسول صلىاللهعليهوسلم ودفع لما يضيق به صدره ، من إعراض بعض الناس عن دعوته.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ...) تأكيد لما اشتملت عليه الآية السابقة من قدرة نافذة لله ـ تعالى ـ أى : وما صح وما استقام لنفس من الأنفس ، أن تؤمن في حال من الأحوال ، إلا بإذن الله» أى : إلا بإرادته ومشيئته وتوفيقه وهدايته.
وقوله : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ). معطوف على محذوف يدل عليه الكلام السابق دلالة الضد على الضد ، والرجس : يطلق على الشيء القبيح المستقذر.
والمعنى : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ، فيأذن لمن يشاء من تلك الأنفس بالإيمان ، ويجعل الرجس أى الكفر وما يترتب عليه من عذاب على القوم الذين لم يستعملوا عقولهم فيما يهدى إلى الحق والخير ، بل استعملوها فيما يوصل إلى الأباطيل والشرور.