أحوال المشاهدة منها ، وهو العظيم الشأن ، المستعلى على كل شيء.
وقوله ـ سبحانه ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) تأكيد آخر لشمول ـ علمه ـ سبحانه ـ لأحوال عباده.
وسواء : اسم مصدر بمعنى الاستواء ، والمراد به هنا اسم الفاعل. أى : مستو.
قال الجمل : «وفيه وجهان : أحدهما أنه خبر مقدم ، ومن أسر ومن جهر هو المبتدأ ، وإنما لم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر ، وهو هنا بمعنى مستو.
والثاني أنه مبتدأ ، وجاز الابتداء به لوصفه بقوله (مِنْكُمْ) (١).
(وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أى : ظاهر بالنهار. يقال : سرب في الأرض يسرب سربا وسروبا. أى : ذهب في سربه ـ بسكون الراء وكسر السين وفتحها ـ أى طريقه.
والمعنى : أنه ـ تعالى ـ مستو في علمه من أسر منكم القول ، ومن جهر به بأن أعلنه لغيره.
ومستو في علمه ـ أيضا ـ من هو مستتر في الظلمة الكائنة في الليل ، ومن هو ذاهب في سربه وطريقه بالنهار بحيث يبصره غيره.
وذكر ـ سبحانه ـ الاستخفاء مع الليل لكونه أشد خفاء ، وذكر السروب مع النهار لكونه أشد ظهورا.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر رعايته لعباده فقال ـ تعالى ـ (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ...).
والضمير في (لَهُ) يعود إلى (مِنْ) في قوله (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) باعتبار تأويله بالمذكور.
و «معقبات» صفة لموصوف محذوف أى : ملائكة معقبات.
قال الشوكانى : «والمعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلا منه. وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين. قال الزجاج : المعقبات ملائكة يأتى بعضهم بعقب بعض ، وإنما قال «معقبات» مع كون الملائكة ذكورا ؛ لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة ، ثم جمع معقبة على معقبات.
قال الجوهري : والتعقب العود بعد البدء قال الله ـ تعالى ـ (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) (٢).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٩٤.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ٦٩.