والعوج ـ بكسر العين وفتحها ـ مصدر عوج ـ كتعب. إلا أن بعضهم يرى أن مكسور العين يكون فيما ليس بمرئى كالآراء والأقوال والعقائد ، وأن مفتوحها يكون في المرئيات كالأجساد والمحسوسات.
أى : أن هؤلاء الكافرين يؤثرون شهوات الدنيا على الآخرة ونعيمها ، ولا يكتفون بذلك بل يضعون العراقيل في طريق دعوة الحق حتى يبتعد الناس عنها ، ويطلبون لها العوج والميل تبعا لزيغ نفوسهم ، مع أنها أقوم طريق ، وأعدل سبيل. والضمير المنصوب في قوله «يبغونها» يعود إلى سبيل الله. أى يبغون لها العوج ، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير ، كما في قوله (وَإِذا كالُوهُمْ ...) أى : كالوا لهم.
وقوله (عِوَجاً) مفعول به ليبغون.
وبعضهم جعل الضمير المنصوب في «يبغونها» ، وهو الهاء هو المفعول ، وجعل «عوجا» حال من سبيل الله أى : ويريدونها أن تكون في حال اعوجاج واضطراب. وقوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) بيان الحكم العادل الذي أصدره ـ سبحانه ـ عليهم.
أى : أولئك الموصوفون بما ذكر في ضلال بعيد عن الحق.
والإشارة بأولئك الدالة على البعد ، للتنبيه على أنهم أحرياء بما وصفوا به بسبب تلبسهم بأقبح الخصال ، وأبشع الرذائل.
وعبر بفي الظرفية للدلالة على تمكن الضلال منهم ، وأنه محيط بهم كما يحيط الظرف بالمظروف.
قال الآلوسى : وفي الآية من المبالغة في ضلالهم ما لا يخفى ، حيث أسند فيها الى المصدر ما هو لصاحبه مجازا كجد جده ...
ويجوز أن يقال : إنه أسند فيها ما للشخص إلى سبب اتصافه بما وصف به ، بناء على أن البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده ، وسبب بعده ضلاله ، لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه ، فيكون كقولك : قتل فلانا عصيانه ، والإسناد مجازى وفيه المبالغة المذكورة أيضا. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ منة أخرى من مننه على عباده فقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ...).
قال الإمام الرازي ما ملخصه : «اعلم أنه ـ تعالى ـ لما ذكر في أول السورة (كِتابٌ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٦٥.