وفي قوله (قَدْ كُذِبُوا) وردت قراءتان سبعيتان إحداهما بتشديد الذال والثانية بالتخفيف.
وعلى القراءتين فالغاية في قوله ـ تعالى ـ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) غاية لكلام محذوف دل عليه السياق.
والمعنى على القراءة التي بالتشديد. لقد أرسلنا رسلنا لهداية الناس ، فأعرض الكثيرون منهم عن دعوتهم ، ووقفوا منهم موقف المنكر والمعاند والمحارب لهدايتهم ، وضاق الرسل ذرعا بموقف هؤلاء الجاحدين ، حتى إذا استيأس الرسل الكرام من إيمان هؤلاء الجاحدين ، وظنوا ـ أى الرسل ـ أن أقوامهم الجاحدين قد كذبوهم في كل ما جاءوهم به لكثرة إعراضهم عنهم ، وإيذائهم لهم ... أى : حتى إذا ما وصل الرسل إلى هذا الحد من ضيقهم بأقوامهم الجاحدين جاءهم نصرنا الذي لا يتخلف.
والمعنى على القراءة الثانية التي هي بالتخفيف : حتى إذا يئس الرسل من إيمان أقوامهم يأسا شديدا ، وظن هؤلاء الأقوام أن الرسل قد كذبوا عليهم فيما جاءوهم به ، وفيما هددوهم به من عذاب إذا ما استمروا على كفرهم ..
حتى إذا ما وصل الأمر بالرسل وبالأقوام إلى هذا الحد ، جاء نصرنا الذي لا يتخلف إلى هؤلاء الرسل ، فضلا منا وكرما ..
فالضمير في قوله (كُذِبُوا) بالتشديد يعود على الرسل ، أما على قراءة التخفيف (كُذِبُوا) فيعود إلى الأقوام الجاحدين.
ومنهم من جعل الضمير ـ أيضا ـ على قراءة (كُذِبُوا) بالتخفيف يعود على الرسل ، فيكون المعنى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا ـ أى الرسل ـ أن نفوسهم قد كذبت عليهم في تحديد موعد انتصارهم على أعدائهم لأن البلاء قد طال. والنصر قد تأخر ... جاءهم ـ أى الرسل ـ نصرنا الذي لا يتخلف.
قال الشيخ القاسمى في بيان هذا المعنى : قال الحكيم الترمذي : ووجهه ـ أى هذا القول السابق ـ أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر ، أن يتخلف النصر ، لا عن تهمة بوعد الله ، بل عن تهمة لنفوسهم أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط ، فكان النصر إذا طال انتظاره واشتد البلاء عليهم ، دخلهم الظن من هذه الجهة» (١).
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٦١٥.