وأصل (نَزَغَ) من النزغ بمعنى النخس والدفع. يقال : نزغ الراكب دابته إذا نخسها ودفعها لتسرع في سيرها.
وأسند النزغ إلى الشيطان ، لأنه هو الموسوس به ، والدافع إليه ، ولأن في ذلك سترا على إخوته وتأدبا معهم.
وقوله (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) تذييل قصد به الثناء على الله ـ تعالى ـ بما هو أهله.
أى : إن ربي وخالقي ، لطيف التدبير لما يشاء تدبيره من أمور عباده ، رفيق بهم في جميع شئونهم من حيث لا يعلمون.
إنه ـ سبحانه ـ هو العليم بأحوال خلقه علما تاما ، الحكيم في جميع أقواله وأفعاله.
ثم ختم يوسف ـ عليهالسلام ـ ثناءه على الله ـ تعالى ـ بهذا الدعاء الذي حكاه القرآن عنه في قوله : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) أى : يا رب قد أعطيتنى شيئا عظيما من الملك والسلطان بفضلك وكرمك.
(وَعَلَّمْتَنِي) ـ أيضا ـ شيئا كثيرا (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أى : من تفسيرها وتعبيرها تعبيرا صادقا بتوفيقك وإحسانك.
(فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : خالقهما على غير مثال سابق ، وهو منصوب على النداء بحرف مقدر أى : يا فاطر السموات والأرض.
(أَنْتَ وَلِيِّي) وناصري ومعينى (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
(تَوَفَّنِي) عند ما يدركني أجلى على الإسلام ، وأبقنى (مُسْلِماً) مدة حياتي.
(وَأَلْحِقْنِي) في قبري ويوم الحساب (بِالصَّالِحِينَ) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وبهذا الدعاء الجامع الذي توجه به يوسف إلى ربه ـ تعالى ـ يختتم القرآن الكريم قصة يوسف مع أبيه ومع إخوته ومع غيرهم ممن عاشرهم والتقى بهم وهو دعاء يدل على أن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يشغله الجاه والسلطان ولم يشغله لقاؤه عن طاعة ربه ، وعن تذكر الآخرة وما فيها من حساب ..
وهذا هو شأن المصطفين الأخيار الذين نسأل الله ـ تعالى ـ أن يحشرنا معهم ، ويلحقنا بهم ، ويوفقنا للسير على نهجهم ...
* * *