والمعنى : ألم تر ـ أيها العاقل ـ إلى حال هؤلاء المشركين ، الذين قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود ، وكانوا سببا في إنزال قومهم دار الهلاك والخسران.
وقوله ـ سبحانه ـ (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) بيان لدار بوارهم وهلاكهم أى : جهنم يصلون حرها وسعيرها ، وبئس القرار قرارهم فيها.
فقوله «جهنم» عطف بيان لدار البوار ، وقوله «يصلونها» في محل نصب حال من «جهنم» يقال : صلى فلان النار ـ من باب تعب ـ إذا ذاق حرها ، وتقول : صليت اللحم أصليه ـ من باب رمى ـ إذا شويته.
والمخصوص بالذم محذوف. أى : بئس القرار هي أى : جهنم.
وفيه إشارة إلى أن حلولهم فيها كائن على وجه الدوام والاستمرار.
ثم بين ـ سبحانه ـ لونا ثالثا من ألوان أعمالهم القبيحة ، وعقائدهم الباطلة فقال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ..).
والأنداد : جمع ند وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه.
وأصله من ند البعير يند ـ بكسر النون ـ ندا ـ بالفتح ـ إذا نفر وذهب على وجهه شاردا.
وقوله «ليضلوا» قرأ الجمهور ـ بضم الياء ـ من أضل غيره إذا جعله ضالا.
أى : أن هؤلاء الخاسرين لم يكتفوا بمقابلة نعمة الله بالجحود ، وإحلال قومهم دار البوار ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم جعلوا لله ـ تعالى ـ أمثالا ونظراء ، ليصرفوا غيرهم عن الطريق الحق ، والصراط المستقيم ، الذي هو إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلوا» ـ بفتح الياء ـ أى : ليستمروا في ضلالهم ، فإنهم حين جعلهم الأنداد لله ـ تعالى ـ كانوا ضالين ، وجهلوا ذلك فاستمروا في ضلالهم توهما منهم أنهم على صواب.
قال صاحب الكشاف : قرئ «ليضلوا» بفتح الياء وضمها. فإن قلت : الضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد فما معنى اللام؟
قلت : لما كان الضلال والإضلال نتيجة اتخاذ الأنداد ، كما كان الإكرام في قولك ، جئتك لتكرمنى نتيجة المجيء ، دخلته اللام ، وإن لم يكن غرضا ، على طريق التشبيه والتقريب» (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٧٨.