وقوله (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ ، قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) بيان لموقفه من مقالتهم ، والضمير في «فأسرها» يعود إلى تلك المقالة التي قالوها.
أى : سمع يوسف ـ عليهالسلام ـ ما قاله إخوته في حقه وفي حق شقيقه فساءه ذلك ، ولكنه كظم غيظه ، ولم يظهر لهم تأثره مما قالوه وإنما رد عليهم بقوله «بل أنتم» أيها الإخوة «شر مكانا» أى : موضعا ومنزلا ممن نسبتموه إلى السرقة وهو برىء ، لأنكم أنتم الذين كذبتم على أبيكم وخدعتموه ، وقلتم له بعد أن ألقيتم أخاكم في الجب ، لقد أكله الذئب.
«والله» ـ تعالى ـ «أعلم» منى ومنكم «بما تصفون» به غيركم من الأوصاف التي يخالفها الحق ، ولا يؤيدها الواقع.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالوا ليوسف على سبيل الرجاء والاستعطاف لكي يطلق لهم أخاهم حتى يعود معهم إلى أبيهم فقال : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
أى : قال إخوة يوسف له على سبيل الاستعطاف : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) الذي أكرمنا وأحسن إلينا «إن» أخانا هذا الذي أخذته على سبيل الاسترقاق لمدة سنة ، قد ترك من خلفه في بلادنا «أبا شيخا كبيرا» متقدما في السن ، وهذا الأب يحب هذا الابن حبا جما فإذا كان ولا بد من أن تأخذ واحدا على سبيل الاسترقاق بسبب هذه السرقة «فخذ أحدنا مكانه» حتى لا نفجع أبانا فيه.
وإننا ما طلبنا منك هذا الطلب ، إلا لأننا «نراك من المحسنين» إلينا ، المكرمين لنا ، فسر على طريق هذا الإحسان والإكرام ، وأطلق سراح أخينا «بنيامين» ليسافر معنا.
ولكن هذا الرجاء والتلطف والاستعطاف منهم ليوسف ، لم ينفعهم شيئا ، فقد رد عليهم في حزم وحسم بقوله : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ ...) و «معاذ» منصوب بفعل محذوف.
أى : قال يوسف لهم : نعوذ بالله ـ تعالى ـ معاذا ، من أن نأخذ في جريمة السرقة إلا الشخص الذي وجدنا صواع الملك عنده وهو «بنيامين».
وأنتم الذين أفتيتم بأن السارق في شريعتكم عقوبته استرقاقه لمدة سنة ، فنحن نسير في هذا الحكم تبعا لشريعتكم.
(إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) إذا أخذنا شخصا آخر سوى الذي وجدنا متاعنا عنده. والظلم تأباه