والمواثيق التي التزموا بها. وصدر ـ سبحانه ـ صفات أولى الألباب ، بصفة الوفاء بعهد الله ، وعدم النقض للمواثيق ، لأن هذه الصفة تدل على كمال الإيمان ، وصدق العزيمة ، وصفاء النفس.
وأضاف ـ سبحانه ـ العهد إلى ذاته ، للتشريف وللتحريض على الوفاء به.
وجملة «ولا ينقضون الميثاق» تعميم بعد تخصيص ، لتشمل عهودهم مع الله ـ تعالى ـ ومع غيره من عباده.
ثم بين ـ سبحانه ـ صفات أخرى لهم فقال : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).
أى : أن من صفات أولى الألباب ـ أيضا ـ أنهم يصلون كل ما أمر الله ـ تعالى ـ بوصله كصلة الأرحام ، وإفشاء السلام ، وإعانة المحتاج ، والإحسان إلى الجار.
وقوله «ويخشون ربهم» خشية تحملهم على امتثال أمره واجتناب نهيه.
«ويخافون سوء الحساب» أى : ويخافون أهوال يوم القيامة ، وما فيه من حساب دقيق ، فيحملهم ذلك على أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
قال الآلوسى ما ملخصه : «وهذا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ، والخشية والخوف قيل : بمعنى.
وفرق الراغب بينهما فقال : الخشية خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم.
وقال بعضهم : الخشية أشد الخوف ، لأنها مأخوذة من قولهم : شجرة خشية ، أى : يابسة.
ثم قال الآلوسى : والحق أن مثل هذه الفروق أغلبى لا كلى ...» (١).
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى الصفات السابقة لأولى الألباب صفات أخرى حميدة فقال : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أى : أن من صفاتهم أنهم صبروا على طاعة الله ، وصبروا عن معصيته ، وصبروا على المصائب وآلامها ، صبرا غايته رضا ربهم وخالقهم ، لا رضا أحد سواه.
أى : أن صبرهم في كل مجال يحمد فيه الصبر لم يكن من أجل الرياء أو المباهاة أو المجاملة أو غير ذلك ، وإنما كان صبرهم من أجل رضا الله ـ تعالى ـ وطلب ثوابه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٢٩.