هذا ، وقد نقل الشيخ القاسمى ـ رحمهالله ـ كلاما حسنا من كتاب «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» فقال ما ملخصه :
هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين ـ سبحانه ـ في كتابه ، وبين رسوله في سنته أن لله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء.
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون. كما في هذه الآية ، وفي الحديث الصحيح : «من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب ..» والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين .. فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان ...
وإذا كان أولياءه الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله ـ تعالى ـ فمن كان أكمل إيمانا وتقوى ، كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله ـ عزوجل ـ بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.
ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدى الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذبا في دعواه ، أو كان مجنونا.
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير .. بل يوجدون في جميع طبقات الأمة. فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفي أهل الجهاد والسيف ، وفي التجار والزراع والصناع ...
وليس من شرط الولي أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين ..» (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ ما عليه أولياؤه من سعادة دنيوية وأخروية ، أتبع ذلك بتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما لقيه من أعدائه من أذى فقال : ، (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ، هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
أى : ولا يحزنك يا محمد ما قاله أعداؤك في شأنك ، من أنك ساحر أو مجنون ، لأن قولهم هذا إنما هو من باب حسدهم لك ، وجحودهم لدعوتك.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٣٧٤ ، طبعة الحلبي سنة ١٩٥٨.