والاستثناء في قوله (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ...) من أعم الأحوال.
أى : لا تستجيب الأصنام لمن طلب منها شيئا ، إلا استجابة كاستجابة الماء لملهوف بسط كفيه إليه يطلب منه أن يدخل فمه ، والماء لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب طلبه ولو مكث على ذلك طوال حياته.
والضمير «هو» في قوله «وما هو ببالغه» للماء ، والهاء في «ببالغه» للفم : أى : وما الماء ببالغ فم هذا الباسط لكفيه.
وقيل الضمير «هو» للباسط ، والهاء للماء ، أى : وما الباسط لكفيه ببالغ الماء فمه.
قال القرطبي : «وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه ، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب ، وما الماء ببالغ إليه ، قاله مجاهد.
الثاني : أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، لكذب ظنه وفساد توهمه. قاله ابن عباس.
الثالث : انه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه ، فلا يجد في كفه شيئا منه (١).
وقد ضربت العرب مثلا لمن سعى فيما لا يدركه ، بالقبض على الماء كما قال الشاعر :
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض |
|
على الماء ، خانته فروج الأصابع (٢) |
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أى : وما عبادة الكافرين للأصنام ، والتجائوهم إليها في طلب الحاجات ، إلا في ضياع وخسران لأن هذه الآلهة الباطلة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ، فضلا عن أن تملك ذلك لغيرها.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذا الكون كله خاضع له ـ عزوجل ـ فقال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).
والمراد بالسجود له ـ سبحانه ـ : الانقياد والخضوع لعظمته.
وظلالهم : جمع ظل وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.
والغدو : جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٣٠١.
(٢) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ٧٣.