وما دام الأمر كذلك فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق ، وداوموا على ذلك كما أمركم الله ، بدون إفراط أو تفريط ، واحذروا ان تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل أقوالكم وأعمالكم.
ووجه ـ سبحانه ـ الأمر بالاستقامة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تنويها بشأنه ، وليبنى عليه قوله ـ (كَما أُمِرْتَ) ، فيشير بذلك إلى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو وحده المتلقى للأوامر الشرعية من الله ـ تعالى ـ.
وقد جمع قوله ـ تعالى ـ (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) أصول الإصلاح الديني وفروعه ، كما جمع قوله ـ تعالى ـ «ولا تطغوا» أصول النهى عن المفاسد وفروعه ، فكانت الآية الكريمة بذلك جامعة لإقامة المصالح ولدرء المفاسد.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : يأمر الله ـ تعالى ـ رسوله وعباده المؤمنين في هذه الآية بالثبات والدوام على الاستقامة ، لأن ذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ، وينهاهم عن الطغيان وهو البغي ، لأنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك».
وقال الآلوسى : والاستقامة كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق.
أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال ، لما نزلت هذه الآية قال صلىاللهعليهوسلم شمروا شمروا ، وما رؤي بعد ضاحكا».
وعن ابن عباس قال : ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق» (١).
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال : «قل آمنت بالله ثم استقم» (٢).
وجملة (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تعليل للأمر بالاستقامة وللنهى عن الطغيان.
أى : الزموا المنهج القويم ، وابتعدوا عن الطغيان ، لأنه ـ سبحانه ـ مطلع على أعمالكم اطلاع المبصر ، العليم بظواهرها وبواطنها ، وسيجازيكم يوم القيامة عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
ثم نهى ـ سبحانه ـ بعد ذلك عن الميل إلى الظالمين فقال : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٣٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ٩ ص ١٠٧.