التلطف إلى الإنكار ، دفاعا عن جلال ربه ـ سبحانه ـ فيقول لهم : (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ ...).
أى : أرهطي وعشيرتي الأقربون ، الذين من أجلهم لم ترجمونى ، أعز وأكرم عندكم من الله ـ تعالى ـ الذي هو خالقكم ورازقكم ومميتكم ومحييكم ...
(وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أى : وجعلتم أوامره ونواهيه التي جئتكم بها من لدنه ـ سبحانه ـ كالشىء المنبوذ المهمل الملقى من وراء الظهر بسبب كفركم وطغيانكم (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أى : إن ربي قد أحاط علمه بأقوالكم وأعمالكم السيئة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من عذاب مهين.
ثم زاد في توبيخهم وتهديدهم فقال (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ، وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) والمكانة مصدر مكن ككرم ، يقال مكن فلان من الشيء مكانه ، إذا تمكن منه أبلغ تمكن ، والأمر في قوله (اعْمَلُوا) للتهديد والوعيد.
أى : اعملوا كل ما في إمكانكم عمله معى ، وابذلوا في تهديدى ووعيدي ما شئتم ، فإن ذلك لن يضيرنى ، وكيف يضيرنى وأنا المتوكل على الله المعتمد على عونه ورعايته ...؟.
وإنى سأقابل عملكم السيئ هذا بعمل آخر حسن من جانبي ، وهو الدعوة إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ وإلى مكارم الأخلاق.
وقوله (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ ...) استئناف مؤكد لتهديده لهم.
أى : اعملوا ما شئتم وأنا سأعمل ما شئت فإنكم بعد ذلك سوف تعلمون من منا الذي ينزل به عذاب يخزيه ويفضحه ويهينه ، ومن منا الذي هو كاذب في قوله وعمله.
(وَارْتَقِبُوا) عاقبة تكذيبكم للحق (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) أى : إنى معكم منتظر ومراقب لما يفعله الله ـ تعالى ـ بكم.
وبذلك نرى شعيبا ـ عليهالسلام ـ في هاتين الآيتين ، قد استعمل مع قومه أسلوبا آخر في المخاطبة ، يمتاز بالشدة عليهم والتهديد لهم ، لا غضبا لنفسه ، وإنما لأجل حرمات الله ـ تعالى ـ ، والدفاع عن دينه.
ولم يطل انتظار شعيب ـ عليهالسلام ـ ومراقبته لما يحدث لقومه ، بل جاء عقاب الله ـ تعالى ـ لهم بسرعة وحسم ، بعد أن لجوا في طغيانهم ، وقد حكى ـ سبحانه ـ ذلك فقال :