وهذه الفترة التي كانت قبيل حادث الإسراء والمعراج والتي أعقبته ، تعتبر من أشق الفترات وأحرجها وأصعبها في تاريخ الدعوة الإسلامية.
ففي هذه الفترة مات أبو طالب عم النبي صلىاللهعليهوسلم والمدافع عنه ، وماتت كذلك السيدة خديجة ـ رضى الله عنها ـ التي كانت نعم المواسى له عما يصيبه من أذى ... ففقد الرسول صلىاللهعليهوسلم بموتهما نصيرين عزيزين ، كانت لهما مكانتهما العظيمة في نفسه ، وتعرض صلىاللهعليهوسلم في هذه الفترة لألوان من الأذى والاضطهاد فاقت كل ما سبقها وبلغت الحرب المعلنة من المشركين عليه وعلى دعوته ، أقسى وأقصى مداها ..
قال ابن إسحاق خلال حديثه عن هذه الفترة : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد ، فتتابعت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المصائب بهلك خديجة ـ وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها ـ ويهلك عمه أبى طالب ـ وكان له عضدا وحرزا في أمره ، ومنعة وناصرا على قومه ، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين.
فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأذى ، ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا.
ثم قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك التراب دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيته ، والتراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته ، فجعلت تغسل عنه التراب ، وهي تبكى ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لها : «لا تبكى يا بنية ، فإن الله مانع أباك» ..
قال : ويقول بين ذلك : «ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» (١).
وسنرى عند استعراضنا للسورة الكريمة ، أنها صورت هذه الفترة أكمل تصوير.
٥ ـ مناسبتها لسورة يونس ـ عليهالسلام ـ :
قال الآلوسى ـ رحمهالله ـ : ووجه اتصالها بسورة يونس ، أنه ذكر في سورة يونس قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مختصرة جدا ومجملة ، فشرحت في هذه السورة وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور .. ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمطلع تلك ، فإن قوله ـ تعالى ـ هنا (الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ...) نظير قوله ـ سبحانه ـ هناك (الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ...) بل بين مطلع هذه وختام تلك شدة ارتباط ـ أيضا ـ ، حيث ختمت بنفي الشرك ، واتباع الوحى ، وافتتحت هذه ببيان الوحى والتحذير من الشرك (٢).
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٤٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٧٨ الطبعة المنيرية.