إنهم كانوا ينكرون البعث والحساب ، فتخويفهم بالعذابين أزجر لنفوسهم القاسية ، وقلوبهم العاتية.
وفي وصفه بالكبر ، زيادة ـ أيضا ـ في تهويله وشدته ، حتى يثوبوا إلى رشدهم ، ويقلعوا عن غيهم وعنادهم.
وقوله ـ سبحانه ـ (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تحذير آخر لهم ، إثر التحذير من الإعراض عما جاءهم به نبيهم صلىاللهعليهوسلم.
والمرجع : مصدر ميمى بمعنى الرجوع الذي لا انفكاك لهم منه ، ولا محيد لهم عنه.
أى : إلى الله ـ تعالى ـ وحده رجوعكم مهما طالت حياتكم ، ليحاسبكم على أعمالكم ، ويجازيكم عليها بما تستحقونه من جزاء ، وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء قدير ، لا يعجزه أمر ، ولا يحول بينه وبين نفاذ إرادته حائل.
وما دام الأمر كذلك ، فأخلصوا لله العبادة ، واستغفروه ثم توبوا إليه لتظفروا بالسعادة العاجلة والآجلة.
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من جهالات المنحرفين عن الحق ، ومن أوهامهم الباطلة ، فقال ـ تعالى ـ :
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ، أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
وقوله : (يَثْنُونَ) من الثنى بمعنى الطى والستر. يقال : ثنيت الثوب إذا طويته على ما فيه من الأشياء المستورة.
وثنى الصدور : إمالتها وطأطأتها وحنيها بحيث تكون القامة غير مستقيمة. والاستخفاء : محاولة الاختفاء عن الأعين ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ..) (١).
وقوله : (يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ..) أى : يتدثرون ويتغطون بها ، مبالغة في الاستخفاء عن الأعين. فالسين والتاء فيه للتأكيد ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ ...) أى : جعلوها كالغشاء عليهم.
وقد ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنه كان الرجل من الكفار
__________________
(١) سورة النساء الآية ١٠٨.