وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين لأخيه :
يا صاحب البغي إن البغي مصرعه |
|
فارجع فخير فعال المرء أعدله |
فلو بغى جبل يوما على جبل |
|
لاندك منه أعاليه وأسفله (١) |
ثم ساق ـ سبحانه ـ مثلا لمتاع الحياة الدنيا الزائل ، ولزخرفها الفاني ، فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٢٤)
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّما مَثَلُ ...) المثل بمعنى المثل ، والمثل : النظير والشبيه ، ثم اطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه ـ وهو الذي يضرب فيه ـ لمورده الذي ورد فيه أولا ، ولا يكون إلا فيما فيه غرابة. ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة ، وعلى هذا المعنى يحمل المثل في هذه الآية وأشباهها.
والأمثال إنما تضرب لتوضيح المعنى الخفى ، وتقريب الشيء المعقول من الشيء المحسوس ، وعرض الأمر الغائب في صورة المشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس.
والمعنى : إنما صفة الحياة الدنيا وحالها في سرعة زوالها ، وانصرام نعيمها بعد إقباله. كحال ماء (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أى : فكثر بسببه نبات الأرض حتى التف وتشابك بعضه ببعض لازدهاره وتجاوزه ونمائه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٠٠.