ليوفينهم ـ سبحانه ـ جزاء أعمالهم دون أن يفلت منهم أحد ، إنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء منها.
وفي الآية الكريمة توكيدات متنوعة ، حتى لا يشك في نزول العذاب بالظالمين مهما تأجل ، وحتى لا يشك أحد ـ أيضا ـ في أن ما عليه المشركون هو الباطل الذي لا يعرفه الحق ، وأنه الكفر الذي تلقاه الخلف عن السلف.
وكان مقتضى حال الدعوة الإسلامية في تلك الفترة التي نزلت فيها هذه السورة ـ وهي فترة ما بعد حادث الإسراء والمعراج وقبل الهجرة ـ يستلزم هذه التأكيدات تثبيتا لقلوب المؤمنين ، وتوهينا للشرك والمشركين.
قال الإمام الفخر الرازي عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : سمعت بعض الأفاضل قال : إنه ـ تعالى ـ لما أخبر عن توفية الأجزية على المستحقين في هذه الآية ، ذكر فيها سبعة أنواع من التأكيدات :
أولها : كلمة «إن» وهي للتأكيد ، وثانيها كلمة «كل» وهي أيضا للتأكيد ، وثالثها : اللام الداخلة على خبر «إن» وهي تفيد التأكيد ـ أيضا ـ ، ورابعها حرف «ما» إذا جعلناه على قول الفراء موصولا ، وخامسها : القسم المضمر فإن تقدير الكلام : وإن جميعهم والله ليوفينهم : وسادسها : اللام الثانية الداخلة على جواب القسم ، وسابعها : النون المؤكدة في قوله «ليوفينهم».
فجميع هذه المؤكدات السبعة تدل على أن أمر القيامة والحساب والجزاء حق ...» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم وأتباعه بالتزام الصراط المستقيم فقال ـ سبحانه ـ : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
والفاء للتفريع على ما تقدم من الأوامر والنواهي.
والاستقامة ـ كما يقول القرطبي ـ هي الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ...» (٢).
والطغيان : مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء ، أى ارتفع وتجاوز الحدود المناسبة.
والمعنى : لقد علمت ـ أيها الرسول الكريم ـ حال السعداء وحال الأشقياء ، وعرفت أن كل مكلف سيوفى جزاء أعماله.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٧٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ٩ ص ١٣٦.