حرف الجر أى : أرسلناه بأنى. أى : أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أنى لكم نذير مبين. وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول. أى : أرسلناه قائلا لهم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١).
ونذير من الإنذار وهو إخبار معه تخويف ..
ومبين : من الإبانة بمعنى التوضيح والإظهار ..
أى : أرسلناه إلى قومه فقال لهم يا قوم : إنى لكم محذر تحذيرا واضحا من موجبات العذاب التي تتمثل في عبادتكم لغير الله ـ تعالى ـ.
واقتصر على الإنذار لأنهم لم يعملوا بما بشرهم به وهو الفوز برضا الله ـ تعالى ـ إذا ما أخلصوا له العبادة والطاعة.
وجملة (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) بدل من قوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أى أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.
وقوله : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) جملة تعليلية ، تبين حرص نوح الشديد على مصلحة قومه ومنفعتهم.
أى إنى أحذركم من عبادة غير الله ، لأن هذه العبادة ستؤدى بكم الى وقوع العذاب الأليم عليكم ، وما حملني على هذا التحذير الواضح إلا خوفي عليكم ، وشفقتي بكم ، فأنا منكم وأنتم منى بمقتضى القرابة والنسب.
ووصف اليوم بالأليم على سبيل المجاز العقلي ، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم ، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية والنهاية في ذلك ، جعل الوقت الذي تقع فيه وقتا أليما أى مؤلما.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما رد به قوم نوح عليه فقال : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ، ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ).
والمراد بالملإ : أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وهو ـ كما يقول الآلوسى ـ : مأخوذ من قولهم فلان ملئ بكذا : إذا كان قادرا عليه ... أو لأنهم متمالئون أى متظاهرون متعاونون ، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون ...
ووصفهم بالكفر ، لتسجيل ذلك عليهم من أول الأمر زيادة في ذمهم.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٤٩٣.