والمعنى : وبعد أن أعطى يوسف إخوته ما هم في حاجة إليه ، وعرف منهم أن لهم أخا من أبيهم قد تركوه في منازلهم ولم يحضر معهم ، قال لهم : أنا أريدكم في الزيارة القادمة لي ، أن تحضروه معكم لأراه ...
وقوله «من أبيكم» حال من قوله «أخ لكم» أى : أخ لكم حالة كونه من أبيكم ، وليس شقيقا لكم ، فإن هذا هو الذي أريده ولا أريد غيره.
وهذا من باب المبالغة في عدم الكشف لهم عن نفسه ، حتى لكأنه لا معرفة له بهم ولا به إلا من ذكرهم إياه له.
وقوله : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) تحريض لهم على الإتيان به ، وترغيب لهم في ذلك حتى ينشطوا في إحضاره معهم.
أى : ألا ترون أنى أكرمت وفادتكم ، وأعطيتكم فوق ما تريدون من الطعام ، وأنزلتكم ببلدى منزلا كريما ... وما دام أمرى معكم كذلك ، فلا بد من أن تأتونى معكم بأخيكم من أبيكم في المرة القادمة ، لكي أزيد في إكرامكم وعطائكم.
والمراد بإيفاء الكيل : إتمامه بدون تطفيف أو تنقيص.
وعبر بصيغة الاستقبال «ألا ترون ...» مع كونه قد قال هذا القول بعد تجهيزه لهم. للدلالة على أن إيفاءه هذا عادة مستمرة له معهم كلما أتوه.
وجملة (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) حالية ، والمنزل : المضيف لغيره. أى : والحال أنى خير المضيفين لمن نزل في ضيافتي ، وقد شاهدتم ذلك بأنفسكم.
ثم أتبع هذا الترغيب بالترهيب فقال : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ).
أى : لقد رأيتم منى كل خير في لقائكم معى هذا ، وقد طلبت منكم أن تصحبوا معكم أخاكم من أبيكم في لقائكم القادم معى ، فإن لم تأتونى به معكم عند عودتكم إلى ، فإنى لن أبيعكم شيئا مما تريدونه من الأطعمة وغيرها ، وفضلا عن ذلك فإنى أحذركم من أن تقربوا بلادي فضلا عن دخولها.
هذا التحذير منه ـ عليهالسلام ـ لهم ، يشعر بأن إخوته قد ذكروا له بأنهم سيعودون إليه مرة أخرى ، لأن ما معهم من طعام لا يكفيهم إلا لوقت محدود من الزمان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) حكاية لما رد به إخوة يوسف عليه.