قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، فتحكى أمره لهم بعبادة الله وحده ، كما تحكى الرد القبيح الذي رد به عليه زعماؤهم ، وكيف أنه ـ عليهالسلام ـ لم يقابل سفاهتهم بمثلها ، بل خاطبهم بلفظ «يا قوم» الدال على أنه واحد منهم ، يسره ما يسرهم ، ويؤلمه ما يؤلمهم ، ومع هذا فقد لجوا في طغيانهم وقالوا له ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا ، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ...).
فكان رده عليهم (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ...).
وقد أتاهم الله ـ تعالى ـ بالعذاب الذي استعجلوه فأغرقهم بالطوفان الذي غشيهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، والذي قطع دابرهم.
ثم نراها بعد ذلك في الربع (١) الثالث ، تقص علينا مشهدا مؤثرا ، مشهد نوح ـ عليهالسلام ـ وهو ينادى ابنه الذي استحب الكفر على الإيمان فيقول له بشفقة وحرص : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ).
ولكن الابن العاق لا يستمع إلى نصيحة أبيه العطوف بل يقول له : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ).
ويجيبه الأب بحزن وحسم (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).
ويتضرع الأب الحزين إلى ربه فيقول : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ).
ويأتيه الجواب من الله ـ تعالى ـ : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
ويلجأ نوح ـ عليهالسلام ـ إلى خالقه ، مستعيذا به من غضبه فيقول : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ، وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
فيقبل الله ـ تعالى ـ ضراعته فيقول : (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ ، وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ، وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ).
ثم يختم الله ـ تعالى ـ قصة نوح ، بتسلية النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وبما يدل على أن هذا القرآن من عند الله ، فيقول : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ ، إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ).
__________________
(١) الآيات من ٤١ ـ ٦٠.