بذكر مظاهر أخرى لقدرته ، تتمثل في خلق الشمس والقمر والليل والنهار فقال ـ تعالى ـ :
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)(٦)
ففي هاتين الآيتين ـ كما يقول الآلوسى ـ تنبيه على الاستدلال على وجوده ـ تعالى ـ ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته. بآثار صنيعه في النيرين بعد التنبيه على الاستدلال بما مر ، وبيان لبعض أفراد التدبير الذي أشير إليه إشارة إجمالية ، وإرشاد إلى أنه ـ سبحانه ـ حين دبر أمورهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبير البديع ، فلأن يدبر مصالحهم المتعلقة بمعادهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب أولى وأحرى (١)».
وقوله (جَعَلَ) يجوز أن يكون بمعنى أنشأ وأبدع ، فيكون لفظ (ضِياءً) حال من المفعول ، ويجوز أن يكون بمعنى صير فيكون اللفظ المذكور مفعولا ثانيا.
وقوله (ضِياءً) جمع ضوء كسوط وسياط ، وحوض وحياض ، وقيل هو مصدر ضاء يضوء ضياء كقام يقوم قياما ، وصام يصوم صياما ، وعلى كلا الوجهين فالكلام على حذف مضاف.
والمعنى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي جعل لكم الشمس ذات ضياء ، وجعل لكم القمر ذا نور ، لكي تنتفعوا بهما في مختلف شئونكم.
قال الجمل : «وخص الشمس بالضياء لأنه أقوى وأكمل من النور ، وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما إذا تساويا لم يعرف الليل من النهار ، فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص بالقمر» (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٦٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٣٤.