ولما كان التأمل في ملكوت السموات والأرض ، يعين على التفكير السليم ، وعلى استعمال العقل فيما يهدى إلى الحق والخير ، أمر الله ـ تعالى ـ الناس بالنظر والاعتبار فقال ـ سبحانه ـ : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لقومك : انظروا وتأملوا وتفكروا فيما اشتملت عليه السموات من شموس وأقمار ، وكواكب ونجوم ، وسحاب وأمطار ...
وفيما اشتملت عليه الأرض من زروع وأنهار ، ومن جبال وأشجار ، ومن حيوانات ودواب متنوعة.
انظروا إلى كل ذلك وتفكروا ، فإن هذا التفكر يهدى أصحاب العقول السليمة إلى أن لهذا الكون إلها واحدا عليما قديرا ، هو وحده المستحق للعبادة والطاعة.
وقوله : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) توبيخ للغافلين عن النظر السليم الذي يؤدى إلى الهداية.
و (ما) نافية ، والمراد بالآيات : ما أشار إليه ـ سبحانه ـ قبل ذلك بقوله : (ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والنذر : جمع نذير ، وهو من يخبر غيره بأمر مخوف حتى يحذره.
والمعنى : انظروا وتفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من آيات بينات دالة على وحدانية الخالق وقدرته ..
ومع ذلك فإن الآيات مهما اتضحت ، والنذر مهما تعددت ، لا تجدى شيئا ، بالنسبة لمن تركوا الإيمان ، وأصروا على الجحود والعناد.
ويجوز أن تكون (ما) للاستفهام الإنكارى ، فيكون المعنى وأى شيء تجدى الآيات السماوية والأرضية ، والنذر بحججها وبراهينها ، أمام قوم جاحدين معاندين ، قد استحبوا الكفر على الإيمان؟.
ثم ساق ـ سبحانه ـ للمكذبين برسوله صلىاللهعليهوسلم تهديدا يخلع قلوبهم فقال : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ، قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).
قال القرطبي : «الأيام هنا بمعنى الوقائع ، يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعهم قال قتادة : يعنى وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، والعرب تسمى العذاب أياما والنعم أياما ، كقوله ـ تعالى ـ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) ، وكل ما مضى لك من خير أو شر فهو أيام» (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٨٦.