برجس اللواط ، وأفعل التفضيل هنا وهو (أَطْهَرُ) ليس على بابه ، بل هو للمبالغة في الطهر.
قال القرطبي : وليس ألف أطهر للتفضيل ، حتى يتوهم أن في نكاح الرجال طهارة ، بل هو كقولك الله أكبر ـ أى كبير ـ ... ولم يكابر الله ـ تعالى ـ أحد حتى يكون الله ـ تعالى ـ أكبر منه ...» (١).
ثم أضاف إلى هذا الإرشاد لهم إرشادا آخر فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ...).
قال الجمل : ولفظ الضيف في الأصل مصدر ، ثم أطلق على الطارق ليلا إلى المضيف ، ولذا يقع على المفرد والمذكر وضديهما بلفظ واحد ، وقد يثنى فيقال : ضيفان ، ويجمع فيقال : «أضياف وضيوف ...» (٢).
وتخزون : من الخزي وهو الإهانة والمذلة. يقال : خزي الرجل يخزى خزيا ... إذا وقع في بلية فذل بذلك.
أى : بعد أن أرشدهم إلى نسائهم ، أمرهم بتقوى الله ومراقبته ، فقال لهم : فاتقوا الله. ولا تجعلوني مخزيا مفضوحا أمام ضيوفى بسبب اعتدائكم عليهم ، فإن الاعتداء على الضيف كأنه اعتداء على المضيف.
ويبدو أن لوطا ـ عليهالسلام ـ قد قال هذه الجملة ليلمس بها نخوتهم إن كان قد بقي فيهم بقية من نخوة ، ولكنه لما رأى إصرارهم على فجورهم وبخهم بقوله :
(أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) يهدى إلى الرشد والفضيلة. وينهى عن الباطل والرذيلة. فيقف إلى جانبي ، ويصرفكم عن ضيوفى؟
ولكن هذا النصح الحكيم من لوط لهم لم يحرك قلوبهم الميتة الآسنة. ولا فطرتهم الشاذة المنكوسة. بل ردوا عليه بقولهم :
(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ).
أى : قال قوم لوط له بسفاهة ووقاحة : لقد علمت يا لوط علما لا شك معه ، أننا لا رغبة لنا في النساء ، لا عن طريق الزواج ولا عن أى طريق آخر ، فالمراد بالحق هنا : الرغبة والشهوة.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٨٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤١٣.