ينعم الله بها عليه : لأن الإذاقة والذوق أقل ما يوجد به الطعم» (١).
وفي قوله «ثم نزعناها منه» إشارة إلى شدة تعلقه بهذه النعم ، وحرصه على بقائها معه.
وجملة (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) جواب القسم ، وأكدت بإن وباللام ، لقصد تحقيق مضمونها ، وأنه حقيقة ثابتة.
وهي تصوير بليغ صادق لما يعترى نفس هذا الإنسان عند ما تسلب منه النعمة بعد أن ذاقها ، فهو ـ لقلة إيمانه وضعف ثقته بربه ـ قد فقد كل أمل في عودة هذه النعمة إليه ، ولكأن هذه النعمة التي سلبت منه لم يرها قبل ذلك.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالة هذا الإنسان اليؤوس الكفور ، عند ما تأتيه السراء بعد الضراء فقال : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ، لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي ، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ).
والنعماء : النعمة التي يظهر أثرها على صاحبها ، واختير لفظ النعماء لمقابلته للضراء.
والضراء : ما يصيب الإنسان من مصائب يظهر أثرها السيئ عليه.
والمراد بالسيئات : الاضرار التي لحقته كالفقر والمرض.
والمعنى : ولئن أذقنا هذا الإنسان اليؤوس الكفور (نَعْماءَ) بعد ضراء مسته كصحة بعد مرض ، وغنى بعد فقر ، وأمن بعد خوف ، ونجاح بعد فشل ..
(لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أى : ليقولن في هذه الحالة الجديدة ببطر وأشر ، وغرور وتكبر ، لقد ولت المصائب عنى الأدبار ، ولن تعود إلى.
وعبر ـ سبحانه ـ في جانب الضراء بالمس ، للإشارة إلى أن الإصابة بها أخف مما تذوقه من نعماء ، وأن لطف الله شامل لعباده في كل الأحوال.
وجملة (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) جواب القسم.
أى : إنه لشديد الفرح والبطر بالنعمة : كثير التباهي والتفاخر بما أعطى منها ، مشغول بذلك عن القيام بما يجب عليه نحو خالقه من شكر وثناء عليه ـ سبحانه ـ.
وإنها ـ أيضا ـ لصورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر ، الذي يعيش في لحظته الحاضرة ، فلا يتذكر فيما مضى ، ولا يتفكر فيما سيكون عليه حاله بعد الموت ، ولا يعتبر بتقلبات الأيام ، فهو يؤوس كفور إذا نزعت منه النعمة ، وهو بطر فخور إذا عادت إليه ، وهذا من أسوأ ما تصاب به النفس الإنسانية من أخلاق مرذولة.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٤٨٥.