والركون إلى الشيء : الميل إليه. يقال ركن فلان إلى فلان ، إذا مال إليه بقلبه ، واعتمد عليه في قضاء مصالحه.
والمراد بالذين ظلموا هنا : ما يتناول المشركين وغيرهم من الظالمين الذين يعتدون على حقوق الغير ، ويستحلون من محارم الله.
والمعنى : واحذروا ـ أيها المؤمنون ـ أن تميلوا إلى الظالمين ، أو تسكنوا إليهم ؛ لأن ذلك يؤدى إلى تقوية جانبهم. وإضعاف جانب الحق والعدل.
قال بعض العلماء : ويستثنى من ذلك للضرورة صحبة الظالم على التقية مع حرمة الميل القلبي إليه.
وقوله (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) أى فتصيبكم النار بسبب ميلكم إليهم ، والاعتماد عليهم ، والرضا بأفعالهم.
وقوله (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) في موضع الحال من ضمير (فَتَمَسَّكُمُ).
أى : والحال أنه ليس لكم من غير الله من نصراء ينصرونكم من العذاب النازل بكم ، بسبب ركونكم إلى الذين ظلموا ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم.
وثم في قوله (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) للتراخي الرتبى. أى ثم لا تجدون بعد ذلك من ينصركم بأى حال من الأحوال ، لأن الظالمين ما لهم من أنصار.
قال بعض العلماء : الآية أبلغ ما يتصور في النهى عن الظلم ، والتهديد عليه ، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى الذين ظلموا فكيف يكون حال من ينغمس في حمأته؟!!
ثم قال : وقد وسع العلماء في ذلك وشددوا ، والحق أن الحالات تختلف ، والأعمال بالنيات. والتفصيل أولى.
فإن كانت المخالطة لدفع منكر ، أو للاستعانة على إحقاق الحق ، أو الخير. فلا حرج في ذلك. وإن كانت لإيناسهم وإقرارهم على ظلمهم فلا ..» (١).
ثم أرشد ـ سبحانه ـ عباده المؤمنين إلى ما يعينهم على الاستقامة وعلى عدم الركون إلى الظالمين ، فقال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ).
__________________
(١) تفسير القاسمى ـ بتصرف يسير ـ ج ٩ ص ٣٤٩١.