وأمّا الثاني ، ففيه النزاع كالصلاة في الدّار المغصوبة ، فإنّها قد اشتملت على وجهتين : إحداهما : كونها صلاة ، وأخرى : كونها غصبا وفيه النزاع :
فمنع منه جماعة الإماميّة ، والزيديّة ، والظاهريّة ، والجبائيّان ، وهو مرويّ عن مالك ، وهو اختيار فخر الدين الرّازي ، (١) وذهبوا إلى أنّ الصلاة غير واجبة ولا صحيحة ، ولا يسقط بها الفرض ، ولا عندها ، ووافقهم على ذلك القاضي أبو بكر (٢) إلّا في موضع واحد ، فإنّه قال : يسقط الفرض معها لا بها.
وهذا الّذي اخترناه ، مذهب جمهور المتكلّمين.
وقال الغزّالي (٣) ، وجماعة الأشاعرة بالجواز.
لنا : أنّ المأمور به مطلوب التحصيل ، فلا حرج في فعله ، والمنهيّ عنه مطلوب العدم ، ويتعلّق بفعله الحرج ، والجمع بينهما ممتنع.
لا يقال : إنّما يمتنع الجمع لو اتّحد الوجه ، أمّا مع تعدّده ، كالصلاة في الدار المغصوبة ، حيث كان لها جهتا صلاة وغصب ، وكلّ واحد منهما يصحّ انفكاكه عن الأخرى ، فلا استبعاد في الأمر بها من حيث إنّها صلاة ، والنّهي من حيث إنّها غصب ، كما لو قال السيّد لعبده : «خط [هذا] الثوب ولا تدخل الدّار» فخاط الثوب في الدار فإنّه يكون ممتثلا لأمر الخياطة ، عاصيا لنهي الدخول ، واستحقّ العقوبة بأحد الاعتبارين ، والإحسان بالآخر ، كذا الصّلاة هنا اشتملت على أمرين :
أحدهما مطلوب الوجود ، والآخر مطلوب العدم.
__________________
(١) المحصول في علم الأصول : ١ / ٣٤٠ ـ ٣٤١.
(٢) لاحظ التقريب والإرشاد : ٢ / ٣٦٠.
(٣) المستصفى : ٢ / ١٠١.