المصلحة وعدّها من مصادر التشريع فيما لا نصّ فيه. فقد ذهب عدة من فقهاء السنّة إلى حجّية المصلحة وسمّاها المالكية بالمصالح المرسلة والغزّالي بالاستصلاح ، وحاصل دليلهم على حجّية المصلحة وكونها من مصادر التشريع كالتالي :
إنّ مصالح الناس تتجدّد ولا تتناهى ، فلو لم تشرع الأحكام لما يتجدّد من صالح الناس ، ولما يقتضيه تطورهم واقتصر التشريع على المصالح الّتي اعتبرها الشارع فقط ، لعطّلت كثير من مصالح الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة ، ووقف التشريع عن مسايرة تطورات الناس ومصالحهم ، وهذا لا يتفق وما قصد بالتشريع من تحقيق مصالح الناس. (١)
وحاصل هذا الوجه ادّعاء وجود النقص في التشريع الإسلامي لو اقتصر في مقام الاستنباط على الكتاب والسنّة ، لأنّ حاجات المجتمع إلى قوانين جديدة لا زالت تتزايد كلّ يوم ، فإذا لم تكن هناك تشريعات تتلاءم مع هذه الحاجات لم تتحقّق مقاصد الشريعة.
ثم إنّ السبب لجعلهم المصالح مصادر للتشريع هو الأمور التالية :
١. إهمال العقل وعدم عدّه من مصادر التشريع في مجال التحسين والتقبيح العقليين.
٢. إقفال باب الاجتهاد في أواسط القرن السابع إقفالا سياسيا ، فقد صار ذلك سببا لوقف الدراسات الفقهية منذ قرون ، وفي ظل ذلك توهّم المتأخّرون وجود النقص في التشريع الإسلامي وعدم كفايته لتحقيق
__________________
(١) علم أصول الفقه ، لعبد الوهاب الخلّاف : ٩٤.