ولأنّ القول قابل للتأكيد بقول آخر ، بخلاف الفعل ، فكان القول أولى.
ولأنّ العمل بالقول ممّا يفضي إلى نسخ مقتضى الفعل في حقّه صلىاللهعليهوآلهوسلم دون الأمّة ، والعمل بالفعل يفضي إلى إبطال مقتضى القول بالكليّة ، والجمع بينهما ولو من وجه أولى (١).
وفيه نظر ، لأنّ الواسطة المذكورة ثابتة في القول أيضا ، كثبوتها في الفعل ، فإنّ القول إنّما يدلّ بواسطة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يقول إلّا الحقّ ، وعموم دلالة القول لا يدلّ على زيادة قوّته في الدلالة على دلالة الفعل الخاصّة ، وكذا قبوله التأكيد.
ولأنّ جهلنا بالتاريخ لا يوجب تقدّم أحدهما وتأخّر غيره ، فلا يعلم الناسخ ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما يتعبّد بالناسخ وهو يعلمه دوننا ، فلا يجوز لنا أن نعتقد تقديم احدهما بالنسبة اليه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال آخرون : يجب العمل بالفعل ، لأنّه آكد في الدلالة ، لأنّه يبيّن به القول ، والمبيّن لغيره آكد في الدلالة من ذلك الغير بيانه :
أنّ جبرئيل عليهالسلام بيّن كيفيّة الصلاة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالفعل ، وكذا بيّنها صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمّته حيث قال : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وبيّن الحجّ بفعله حيث قال : «خذوا عنّي مناسككم» وبيّن الشهر بأصابعه حيث قال : «الشهر هكذا وهكذا».
ولأنّ كلّ من أراد الأسهل في التعليم استعان بالإشارة بيده ، والتخطيط ، ووضع الأشكال ، ولو لا قوّة دلالة الفعل لما كان كذلك ويرد ما تقدم.
__________________
(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ١ / ١٣٥.